ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يقدم الدليل الاجتهادي الذي لم يتعلق (١) في لسان دليل اعتباره على الشك على ما كان معلّقا عليه ، وكذا الأصل العملي ، وكيف كان فظهر أنّ الملاك في الفرق أنّ مؤدى الأصل حكم مقام (٢) العمل ، وهو مرجع للعمل (٣) عند الشك ، ومؤدى الدليل نفس الواقع ، ولو بالجعل والتنزيل ، فهو مبين للواقع ، وطريق إلى تعيينه.
ثمّ لا فرق في كون الشيء دليلا بين أن (٤) يكون لسان دليل اعتباره تنزيله منزلة العلم حتى يكون جعل مؤداه منزلة الواقع مفهوما بالتبع ، أو يكون لسانه من الأول لسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، على وجه يستتبع جعله منزلة العلم.
وبعبارة أخرى لا فرق بين أن يكون المجعول أولا الطريقيّة إلى الواقع ليكون جعل المؤدى بالتبع ، وبين أن يكون المجعول أولا نفس المؤدّى ليكون جعل الطريقيّة بالتبع ، إذا عرفت ذلك فنقول :
الوجه الأول : لتقديم الأدلّة على الأصول : الحكومة (٥) ؛ ويمكن تقريرها بوجوه :
أحدها : ما ذكره المحقق الأنصاري قدسسره
من أنّ الدليل الاجتهادي بملاحظة دليل اعتباره ناظر إلى الأصول بنفي الحكم من موضوعاتها أو بنفيها لينتفي حكمها ، وذلك لأنّ معنى جعل الأمارة حجّة أنّه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع ، فالحكم المترتب على الاحتمال لا يترتب عليه بعد وجود الأمارة ، قال (٦) : فمؤدى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم لا يترتب عليه الأحكام المجعولة للمجهولات.
وحاصل مرامه أنّ قوله صدّق العادل في قوّة قوله ألغ احتمال الخلاف ، ولا يترتب على الاحتمال ما كان يترتب عليه لو لا هذا الخبر من الأمارة العقليّة والشرعيّة
__________________
(١) في نسخة (ب) : يعلق.
(٢) في نسخة (ب) : لمقام.
(٣) في نسخة (ب) : العمل.
(٤) في نسخة (ب) : أو أن.
(٥) حق العبارة هكذا : تقديم الأدلة على الأصول للحكومة.
(٦) فرائد الأصول : ٤ / ١٣.