، ويمكن أن يورد عليه أوّلا بالنقض بالأصول التعبديّة ، خصوصا إذا كانت ناظرة إلى الواقع ، ولم يعتبرها الشارع من حيث نظرها ، فإنّه إذا جعلها الشارع حجّة فقد أمر بعدم الاعتناء باحتمال خلافها ، فيلزم أن تكون في عرض الأدلة الاجتهاديّة ، ومعارضة معها ؛ مثلا إذا قال اعمل باليد أو البيّنة أو بخبر العادل مثلا ، وفرضنا أنّه اعتبرها لا بلحاظ نظرها فهي من الأصول ، ومع ذلك لسان دليل اعتبارها كلسان دليل اعتبار الأدلة ، وإن شئت فقل قوله اعمل بالخبر العادل مثلا لا يتفاوت حاله من حيثيّة [توخي](١) إلغاء احتمال الخلاف بين أن يكون من باب الطريقيّة أو التعبديّة ، بل في مثل الاستصحاب إذا قال اعمل بالحالة السابقة يكون معناه ألغ احتمال خلافها ، فيكون معارضا مع الأدلة ، إذ كما أنّه أمر بإلغاء احتمال الخلاف في الدليل المقابل له كما أمر بإلغاء احتمال الخلاف فيه ، فإذا أخبر العادل بفسق زيد وكان عادلا سابقا فيجب إلغاء احتمال [خلاف](٢) العدالة بمقتضى الاستصحاب ، وإلغاء احتمال خلاف الفسق بمقتضى الخبر.
وكون الأصول المذكورة معلّقة على الشك دون الأدلة لا يثمر ، بعد ما عرفت من أنّ اعتبار الأدلة أيضا معلّق على الشك ، نعم لم يؤخذ الشك في موضوعها ، ومورد النقض من الأصول المذكورة أيضا كذلك ، حيث إنّ الشك لم يعتبر في موضوعها (٣) ، بل في دليل اعتبارها ، ولذا خصصنا مورد النقض بما كان ناظرا إلى الواقع ، ولم يعتبر من حيث نظره ، والاستصحاب وإن أخذ الشك في موضوعه ، إلا أنّه من باب الاصطلاح حيث إنّه في الاصطلاح عبارة عن الأخذ بالحالة السابقة عند الشك ، ففي الحقيقة المرجع هو الحالة السابقة عند الشك ، وهي الدليل والحجة ، نظير اليد فيصح النقض به أيضا.
فإن قلت : الأدلة الاجتهاديّة وإن كانت مقيّدة بحال الشك إلا أنّه لم يذكر في دليل حجيتها ، بل هو مطلق ؛ غاية الأمر أنّه مقيّد في الواقع بصورة الشك ، بخلاف تلك
__________________
(١) كلمة غير واضحة وقد رسمنا ما يظهر لنا منها.
(٢) أثبتناها من نسخة (ب).
(٣) مراده هذه الأصول المذكورة ؛ وإلا فقد تقدم منه أنّه قد يؤخذ الشك في موضوع الأصل وقد يؤخذ في دليله ، وعلى كل حال فهو ممكن الأخذ في موضوعه في الجملة.