جعل أحكامها.
والحاصل أنّه فرق بين جعل قول العادل منزلة العلم من حيث هو ، بمعنى إيجاب ترتيب آثار العلم عليه ، وبين جعله بما هو مرآة للواقع منزلة العلم الطريقي ، ففي الأول يجري السؤال والجواب ، وفي الثاني لا موقع للسؤال أصلا ، وظاهر الأدلة على فرض التسليم هو الثاني ، هذا مع أنّ الجواب الأول بناء على كون التنزيل على الوجه الأول غير صحيح ، إذ لا معنى لالتزام جعلين بالنسبة إلى الطريق والمؤدى ، وأيضا لازم ذلك المعنى قيام الأمارات مقام العلم الذي هو جزء للموضوع أيضا ، كما إذا كان المحرم الخمر المعلوم ، وأخبر العادل بأنّ هذا خمر ، ولا يلتزم به.
فتحصّل أنّ ما ذكره ـ دام ظله ـ إنّما يتم إذا كان الغرض تنزيل الأمارة بما هي أمارة منزلة العلم مطلقا من غير تخصيص بحيثيّة الطريقيّة فقط ، وحينئذ يتم النقض بمثل الاستصحاب ، ويلزمه إقامته مقام العلم الذي هو جزء للموضوع ، وأمّا إذا كان الغرض التنزيل من حيث المرآتية والطريقيّة كما هو الظاهر ، ولو فرض التصريح بذلك بأن يقول نزّل ظنّك منزلة العلم ، فلا يقتضي إلا ترتيب الواقع ، إذ جعل الطريق إنّما هو بمقدار إثبات ذيها ، فلا يفيد أزيد من ذلك حسبما عرفت.
ثالثها (١) : ما هو مقتضى التحقيق من أنّ الأمارات والأدلة لمّا كانت معتبرة من حيث الطريقيّة والمرآتيّة ، فلسانها لسان إراءة الواقع وكشفه ، ومؤدياتها نفس الواقع الأولي ، ولسان الأصول بيان حكم العمل ، ومؤدّياتها ليست واقعا أوليّا ، بل أحكاما للعمل حين عدم انكشاف الواقع ، وإن كان بلسان التنزيل منزلة الواقع ، بمعنى ترتيب آثاره ، والمفروض أنّ اعتبارها إنّما هو معلّق على الشك في الواقع ؛ إمّا لأنّه معتبر في موضوعاتها ، أو لأنّه معتبر في أدلة اعتبارها ، فبعد انكشاف الواقع ولو بحكم الشرع لا يبقى مورد لها ، فلسان أدلتها لسان المحكوميّة بالنسبة إلى الأدلة ، ولسانها لسان الحاكية (٢) ، لا لما ذكر من إلغاء احتمال الخلاف ، ونفي الشك وأحكامه ، بل لأنّ ذلك مقتضي انكشاف الواقع بعد حكم الشارع بثبوته ، ولا يضرّ كون اعتبار
__________________
(١) الوجه الثالث من وجوه تقرير تقديم الدليل على الأصل بالحكومة.
(٢) في نسخة (ب) : لسان الحكومة والحاكميّة (بدل الحاكية).