يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ ، الَّذِي لَايَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ ، وَلَا يَغْلِبُ الْحَرَامُ صَبْرَهُ.
يَا هِشَامُ ، مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثاً عَلَى ثَلَاثٍ ، فَكَأنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ : مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ (١) ، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلى هَدْمِ عَقْلِهِ ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ ، أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ.
يَا هِشَامُ ، كَيْفَ يَزْكُو (٢) عِنْدَ اللهِ عَمَلُكَ ، وَأَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ أَمْرِ (٣) رَبِّكَ ، وَأَطَعْتَ هَوَاكَ عَلى غَلَبَةِ عَقْلِكَ؟!
يَا هِشَامُ ، الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ (٤) ، اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا ، وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللهِ ، وَكَانَ (٥) اللهُ أُنْسَهُ (٦) فِي الْوَحْشَةِ ، وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَغِنَاهُ (٧) فِي الْعَيْلَةِ (٨) ،
__________________
(١) في مرآة العقول : « والسبب في ذلك أنّ بطول الأمل يقبل إلى الدنيا ولذّاتها ، فيشغل عن التفكّر ، أو يجعلمقتضى طول الأمل ماحياً بمقتضى فكره الصائب. والطريف : الأمر الجديد المستغرب الذي فيه نفاسة. ومحو الطرائف بالفضول إمّا لأنّه إذا اشتغل بالفضول شغل عن الحكمة في زمان التكلّم بالفضول ، أو لأنّه لمّا سمعوا الناس منه الفضول لم يعبأوا بحكمته ، أو لأنّه إذا اشتغل به محى الله عن قلبه الحكمة ». وراجع : ترتيب كتاب العين ، ج ٢ ، ص ١٠٧٥ ؛ الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٣٩٤ ( طرف ).
(٢) قال المجلسي : « الزكاة تكون بمعنى النموّ والطهارة ، وهنا يحتملهما ». وعليه بقيّة الشروح. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ؛ لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٣٥٨ ( زكا ).
(٣) في حاشية « بح » : « ذكر ».
(٤) قوله عليهالسلام : « عقل عن الله » فقد مضى معناه قريباً ، ولكنّ المجلسي قال هنا ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ : « قوله عليهالسلام : « عقلعن الله » أي حصل له معرفة ذاته وصفاته وأحكامه وشرايعه ، أو أعطاه العقل ، أو علم الأمور بعلم ينتهى إلى الله بأن أخذه عن أنبيائه وحججه عليهمالسلام إمّا بلا واسطة ، أو بواسطة ، أو بلغ عقله إلى درجة يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشر ». مرآة العقول ج ١ ، ص ٥٨.
(٥) في « بف » : « فكان ».
(٦) في « ألف » : « آنسه ».
(٧) في « جل » : « غناءه ». وهو بكسر الغين والقصر بمعنى اليسار ، وفتحها والمدّ بمعنى النفع ، أو الكفاية ؛ كذا قالالمازندراني وتساعده اللغة. راجع : شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٠١ ؛ المغرب ، ص ٣٤٧ ؛ لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ١٣٦ ( غنا ).
(٨) « العَيْلة » : الحاجة والفافة ، يقال : عالَ الرجل يَعيلُ عيلةً : إذا احتاج وافتقر. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٧٧٩ ؛ لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٤٨٨ ( عيل ).