كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ (١) مِنْ مَوَالِيهِ ، فَجَرى ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْجَهْلِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : « اعْرِفُوا الْعَقْلَ وَجُنْدَهُ ، وَالْجَهْلَ (٢) وَجُنْدَهُ ، تَهْتَدُوا ».
قَالَ سَمَاعَةُ : فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَانَعْرِفُ إِلاَّ مَا عَرَّفْتَنَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّوَجَلَّ ـ خَلَقَ الْعَقْلَ ـ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ (٣) مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ (٤) عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ـ مِنْ نُورِهِ ، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى : خَلَقْتُكَ خَلْقاً عَظِيماً ، وَكَرَّمْتُكَ (٥) عَلى جَمِيعِ خَلْقِي ».
قَالَ : « ثُمَّ خَلَقَ الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ (٦) ظُلْمَانِيّاً (٧) ، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَلَمْ يُقْبِلْ ، فَقَالَ (٨) لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ (٩) ، فَلَعَنَهُ.
ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْداً ، فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللهُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ ، أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَالَ الْجَهْلُ : يَا رَبِّ ، هذَا خَلْقٌ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ ، وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ ، فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ (١٠) مَا أَعْطَيْتَهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ عَصَيْتَ (١١) بَعْدَ ذلِكَ ، أَخْرَجْتُكَ وَجُنْدَكَ مِنْ رَحْمَتِي ، قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ (١٢) جُنْداً.
__________________
(١) في المحاسن والعلل : « عدّة ».
(٢) في المحاسن والعلل : « واعرفوا الجهل ».
(٣) في حاشية « بر » : + « خلقه الله » ؛ وفي المحاسن والعلل والخصال : + « خلقه ».
(٤) « الروحانيّين » ـ بضمّ الراء ـ نسبة إلى الروح ، والألف والنون من مزيدات النسبة ، وهم الجواهر النورانيّة التي وجودها غير متعلّق بالأجسام. راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ٦٦ ؛ وشرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٦٢ ؛ والوافي ، ج ١ ، ص ٦١.
(٥) في المحاسن : « وأكرمتُك ».
(٦) « الاجاج » : الشديد الملوحة والمرارة. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٢٠٧ ( أجج ).
(٧) في المحاسن والعلل : « الظلماني ».
(٨) في المحاسن والعلل : + « الله ».
(٩) حمله في شرح المازندراني على الاستفهام للتوبيخ والتعيير.
(١٠) في « الف ، ف » : ـ « مثل ».
(١١) في العلل : « عصيتني ».
(١٢) المذكور بالتفصيل فيما يلي : ثمانية وسبعون ، ولا منافاة ؛ إمّا لعدم اعتبار مفهوم العدد ، أو لكون التكرار منه عليهالسلام