فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَكُنَّا ثَلَاثَةً ، فَقَالَ : مَرْحَباً يَا ابْنَ (١) رَسُولِ اللهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأْسِي ، وَقَالَ : بَارَكَ اللهُ فِيكَ (٢) يَا أَمِينَ اللهِ بَعْدَ آبَائِهِ.
يَا أَبَا جَعْفَرٍ (٣) ، إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَخْبَرْتُكَ (٤) ، وَإِنْ شِئْتَ سَلْنِي ، وَإِنْ شِئْتَ سَأَلْتُكَ ، وَإِنْ شِئْتَ فَاصْدُقْنِي ، وَإِنْ شِئْتَ صَدَقْتُكَ ، قَالَ : كُلَّ ذلِكَ أَشَاءُ.
قَالَ (٥) : فَإِيَّاكَ أَنْ يَنْطِقَ (٦) لِسَانُكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِي بِأَمْرٍ (٧) تُضْمِرُ لِي غَيْرَهُ (٨) ، قَالَ :
إِنَّمَا يَفْعَلُ ذلِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ عِلْمَانِ يُخَالِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، وَإِنَّ (٩) اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَبى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ.
قَالَ : هذِهِ مَسْأَلَتِي (١٠) وَقَدْ فَسَّرْتَ طَرَفاً مِنْهَا ، أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْعِلْمِ ـ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ـ مَنْ يَعْلَمُهُ؟
قَالَ : أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ ، فَعِنْدَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ. وَأَمَّا مَا لَابُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ ، فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ.
__________________
(١) في الوافي والبحار ، ج ٥٢ : « بابن » بدل « يا ابن ».
(٢) « بارك الله فيك » ، أي أثبت لك وأدام ما أعطاك من التشريف والكرامة ، وهو من بَرَكَ البعيرُ إذا ناخ في موضع فلزمه. وتطلق البركة أيضاً على الزيادة ، أي زاده الله فيك خيراً ، والأصل الأوّل. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ١٢٠ ( برك ).
(٣) في الوافي : « تقدير الكلام : ثمّ التفت إلى أبي فقال : يا أبا جعفر ».
(٤) في « ف » : ـ « وإن شئت فأخبرتك ».
(٥) في « بح » : ـ « قال ».
(٦) في « ج » : « أن تنطق ».
(٧) متعلّق بقوله : « ينطق ».
(٨) في المرآة : « بأمر تضمر لي غيره » أي لا تخبرني بشيء يكون في علمك شيء آخر ، يلزمك لأجله القول بخلاف ما أخبرت ، كما في أكثر علوم أهل الضلال ، فإنّه يلزمهم أشياء لايقولون بها ؛ أو المعنى : أخبرني بعلم يقيني لايكون عندك احتمال خلافه. ؛ أو أراد به : لاتكتم عنّي شيئاً من الأسرار. مرآة العقول ، ج ٣ ، ص ٦٢.
(٩) في « بر » وحاشية « ف » والوافي : « فإنّ ».
(١٠) في الوافي : « يعني مسألتي هي أنّ الله تعالى هل له علمٌ ليس فيه اختلاف ، أم لا؟ ثمّ العلم الذي لا اختلاف فيهعند مَن هو؟ ».