الكلام أي المردود إلى صاحبه بعد انعكاسه في الجبال وغيرها ، فهو كلام شعريّ صدر من غير رويّة ، لأن الله تعالى هنا في مقام بيان كرامات داود ومعجزاته التي منها تسبيح الجبال معه كما لو كان يذكر تسبيح الحصى في كفّ خاتم الأنبياء ، لا أنه سبحانه في بيان خواصّ الأمكنة الفارغة والجبال الرفيعة ونحوها ممّا هو من توضيح الواضحات حيث إن هذا الترجيع من الكلام لا يختصّ بداود عليهالسلام بل بكل إنسان وبكل ذي صوت ، إذا صوّت في تلك الأماكن المذكورة يردّ صونه إليه بلا كلام والتجربة أقوى برهان على المنكر.
أمّا اختصاص تسبيحها بالوقتين فيحتمل أن يكون من جهة أن داود عليهالسلام كان يقرأ الزّبور فيهما أو أن أكثر قراءته كانت فيهما ، وورد أن ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين أفضل ، والتسبيح كان تابعا لذكره.
١٩ ـ (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ...) عطف على الجبال فهي مسخّرة له عليهالسلام تدور حيثما دار وكانت تجتمع إليه من كلّ جانب حين قراءته وكانت مأمورة بأمره ولا يمتنع أن الله تعالى قد خلق في الطيور من المعارف ما تفتهم به أمر داود ونهيه فتطيعه فيما يريد منها وإن لم تكن كاملة العقل (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أي يرجعون إليه في أوقات تسبيحه أو في أوامره أو كانت رجّاعة إلى طاعته والتسبيح معه.
٢٠ ـ (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ ...) أي قوّينا وأحكمنا سلطانه بالجنود والهيبة والأموال. وعن ابن عباس أنه كان يحرسه كلّ ليلة ستة وثلاثون ألف رجل ، وقيل أربعون ألف رجل ، وكان أشدّ ملوك الأرض سلطانا من حيث أن الله تعالى هيّا له الأسباب وأعطاه الهيبة العظيمة والنّصر. ومن أسباب عظمته أن الله تعالى أنزل من السّماء سلسلة على رأس محكمته وكل واحد من الخصمين كان على الحق تصل يده إلى السّلسلة والذي كان على الباطل لا يقدر على أخذها طويلا كان أو قصيرا.