انقضت عدّتها فذلك هو الذي شقّ على الناس. ويؤيّد هذا الحديث الشريف الصّحيح ما رويناه قبله عن عليّ عليهالسلام (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي اختبرناه بهذه الحكومة والحكم بين المتخاصمين قبل أن يسأل المدّعي البيّنة وقبل أن يسمع الكلام من خصمه أو أن يطلب من المدعي اليمين في حال عدم وجود البيّنة مع أنه بعث على ذلك وشرّع في شريعته في مقام فصل القضاء أن يحكم بهذه الكيفيّة على ما قيل ، فالاستعجال في الحكم كأنّه زلّة صدرت عنه عليهالسلام لتجعله ينتبه إلى هذا المعنى ، وحتى لا يتخيّل بعد ذلك بأنه أعلم من في الأرض والمراد بالظنّ هنا العلم. والسّبب الذي أوجب حمل لفظ الظّن على العلم ها هنا هو أنّ داود لمّا قضى بينهما ، نظر أحدهما إلى صاحبه فتبسّم ثم صعدا إلى السماء ، فعلم داود أنّ الله ابتلاه بذلك تنبها لما خطر على قلبه الشريف. وإنما جاز لفظ الظنّ على العلم لأن العلم الاستدلاليّ يشبهه الظنّ مشابهة عظيمة وهي علة لجواز المجاز. وهذا الكلام يتمّ إذا كان الخصمان ملكين وإلّا فلا يلزمنا حمل الظن على العلم بل نبقيه على معناه المتعارف. والحاصل أنه لمّا علم الاختبار والابتلاء انتبه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) أي وقع ساجدا ورجع إلى الله بالتوبة. ولا يلزم من الاستغفار كونه مرتكبا لذنب بل يمكن أن يحمل على أن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين. وروي أنه عليهالسلام بقي ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلواته المكتوبة أو لما لا بدّ منه.
٢٥ ـ (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ...) إشارة إلى ترك المندوب والأولى ، فقد كان ينبغي له أن يفعل الأولى ، فعدّ ترك الأولى ذنبا (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) أي إنّ لداود عندنا لمرتبة القرب والكرامة وحسن المرجع في الجنّة. وحقيقة استغفاره كان لانقطاعه عما سوى الله وتوجّهه إليه كما قال إبراهيم عليهالسلام : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)