بولد ميّت وألقته على كرسيّه ليشاهده عليهالسلام. فلما رآه انكسر قلبه بمقتضى الطبع البشريّ ، وفزع وتأذّى بذلك. فلما استيأس من الولد رجع منقطعا إلى ربّه وانحصرت علاقته به تعالى كما أخبر الله سبحانه نبيّه بذلك بقوله (ثُمَّ أَنابَ) أي رجع إلى رجع إلى ربّه بعد يأسه من الولد أو بعد شهوده الجسد رجع على وجه الانقطاع إليه تعالى وذكر في سبب ابتلائه أمور أخر كذهاب ملكه أربعين يوما من يده وغير ذلك ومن أراد فليراجع المفصّلات من الكتب.
٣٥ ـ (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ...) طلبه الغفران يحتمل فيه أمور : الأوّل لحبّه الشديد للولد وتعلّقه الشديد به وإن كان حبّه له لله حيث إنه يحبّ الأولاد ليجاهدوا في سبيله تعالى ، فإن الأنبياء حبهم وعلاقتهم لا بد وأن يكونا حصرا لله تعالى وإن كان هذا الحب محبوبا له تعالى ومأمورا به من عنده سبحانه ، إلا أنه حسنات الأبرار سيّات المقرّبين. وثانيا أنه من باب الخضوع والخشوع. وثالثا أنه من باب الخوف والخشية كما هو شأن المقرّبين والعارفين به سبحانه على ما هو ديدن سيّد المقرّبين والعرفاء مولانا أمير المؤمنين أرواح العالمين له الفداء ، وكذلك هو ديدن أولاده الطّاهرين صلوات الله وسلامه عليهم فليراجع في أحوالهم كيف كانوا يبكون ويستغفرون الله في جميع أحوالهم ، وغير ذلك من المحتملات التي تناسب شأنه عليهالسلام. ووجه تقديم الاستغفار على طلب الملك أن من آداب طلب العبد من المولى العظيم أن يتوب ويستغفر أوّلا لكي يصفو فتحصل له الأهلية والقابلية لإفاضة الفيض من المبدأ الأعلى فيستفيض منه سواء كان مطلوبه من مولاه أمرا دنيويّا أو أخرويّا وأما حصر مطلوبه بنفسه عليهالسلام فلا يكون من باب الشّح والمنافسة ، حاشاه ثم حاشاه ، بل من باب أن لكلّ نبيّ معجزة تختصّ به ، فأحبّ أن يكون الملك بهذه الكيفيّة معجزة خاصّة له ، مضافا إلى أنه مظهر كامل من مظاهر قدرته الباهرة