بعد ذكره الاختصام إجمالا اقتصر على مخاصمة إبليس تفصيلا واستكباره عن السّجود فقال جلّ وعلا :
* * *
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤))
٧١ و ٧٢ ـ (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ...) أي أذكر يا محمد قول ربّك حين أراد أن يسجد لآدم : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) والمقصود هو آدم أبو البشر سلام الله عليه (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أكملت وتمّمت خلقته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي أفضت عليه الحياة. وأسند التّسوية وإفاضة الرّوح إلى نفسه تشريفا وتبجيلا له عليهالسلام ، وتنبيها على أنه هو الفاعل بمباشرته بنفسه تعالى وتقدّس بلا استعانة من أحد وبلا دخالة أحد من المخلوقات وفي هذا أيضا اشارة إلى تعظيمه عليهالسلام وخصيصة تخصّه من بين الأنبياء والمرسلين كما أشرنا إليه سابقا. وأما كيفية نفخ الروح وحقيقتها فهي أمر لا يعلم إلّا من قبله ، وليست إلّا من العالم بالأمر وليس لنا طريق إلى معرفتها. نعم معلوم لنا في الجملة أنّ مسألة الأرواح عبارة عن أجسام نورانيّة علويّة العنصر قدسيّة الجوهر تسري في الأبدان سريان الضّوء في الهواء والنار في الفحم والحرارة والبرودة في الأجسام القابلة لهما. هذا ولكنّ الحق والإنصاف أن الأرواح بحقيقتها وكيفيّة سريانها في الأجسام وكيفيّة نفخها بتمامها مجهولة لنا وغير معروفة ،