وتعريفه نفسه قبيح ، وعند خالقه الذي يعرفه كمال المعرفة أقبح ، حيث إنّه خلقه وهو عالم بكامل وجوده وجميع خصوصياته ، ففي مقابل من هو أعرف بنفس الإنسان أو غير الإنسان من الموجودات يكون التعريف للنفس أقبح ، وما أدرك إبليس هذا المطلب مع ظهوره ووضوحه. فهو عليه لعائن الله عليه أجهل من كلّ جاهل. وثالثا بيّن وجه الأفضليّة وأنه خير من آدم بأنه مخلوق (مِنْ نارٍ) وآدم (مِنْ طِينٍ) والنار أفضل وأشرف من الطين فهو أشرف من آدم. وقد أشبعنا المقام من الكلام فيه في سورة البقرة أو آل عمران أو الأعراف فليراجع. وبيان جهله أن التراب خير من النار وأفضل منها بمراتب كثيرة ، وأنّ التراب كفؤ للماء الذي أناط الخالق المتعالي حياة كلّ ذي حياة به ، فأين النار من التراب؟ ويكفي في شرافة التراب وأفضليته منها أنّه تعالى قدّمه في مقام خلقه لخليفته في الأرض وحجّته خلقا باشره هو بنفسه واهتمّ غاية الاهتمام بإيجاده وقدّم ذكره على جميع العناصر ، فمن هذا نستكشف كشفا واقعيّا بطلان قول إبليس وعلته التي علّل الأفضلية بها ، وأنّه بهذا المدّعى أظهر جهله للملائكة ولجميع الإنس والجن.
٧٧ ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ...) أي اخرج من الملأ الأعلى أو الجنّة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود. وإنك لست بقابل لأن تكون في الملأ الأعلى عند أصحاب الكرامة والشرافة. ولما سمع الربّ سبحانه جوابه السخيف ورأى أنّه غير قابل للتوجّه والاعتناء بجوابه أمر بخروجه وطرده كما يرجم ويطرد الكلب العقور فعليه لعنة الله إلى يوم ينفخ في الصور. وإنّه لمّا رأى غضب الربّ جلّ وعلا عليه أيس من رحمته وعفوه ولا سيّما بعد قوله تعالى :
٧٨ ـ (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ...) أثبت تعالى وأنجز الخزي الدائم والإبعاد الممتدّ إلى الأبد والعذاب الأليم الذي يخلّد فيه. ويراد به