فما معنى قوله في أمره إياهم بالمتابعة للرّسل بتعليله بحسب الواقع بعدم سؤال الرّسل أجرا على إبلاغ الرّسالة وتبليغهم الأحكام. اللهم إلا أن نقول بأن الناس كانوا في تلك الأعصار في ضنك المعاش ، ولو كان إيمانهم بالرّسل متوقفا على إعطاء الرّسل أجرا لم يصدّقوهم ولم يؤمنوا بهم. ولذا تشويقا لهم وتنبيها على ذلك المعنى قال : لا يسألكم أجرا فالله اعلم بما قال (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إلى الحق وهم يهدونكم إلى خير الدارين إن كنتم تتفكّرون فيما يقول الرّسل وتعقلونه بعين المعرفة.
٢٢ ـ (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ... أي لم لا أعتقد بوحدانيّة الخالق ولا أعبد الذي خلقني وجاء بي من العدم إلى الوجود. ولا يخفى أن إضافة الخلق إلى نفسه دالة على إظهار الشكر والتلطّف في الإرشاد ومحض النصح ، لأنه ما طلب لنفسه أراده لهم ، وكان قصده في هذا البيان تقريعهم على ترك عبادة الخالق والاشتغال بعبادة معبود مصنوع لهم ، وهو لا يضرّ ولا ينفع (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا مضافا إلى تنبيههم على خالقهم وأنه هو الذي يستحقّ العبادة وحده ، وقد عرّفهم ونبّههم على الحشر والنشر. ثم إنه لمحض النّصح وإتمام الحجة مرة أخرى أورد الكلام السابق بطريق آخر وعبارة أخرى ، فقال :
٢٣ ـ (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ... أي هل ينبغي لي أن أترك من هو خالقي ورازقي وأتّخذ الأوثان آلهة لي مع أنّهم (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أي لو أراد من الذي بيده الرحمة العامة أن يضرّني بكيفيّة خاصّة لا تنفعني شفاعة الأصنام أبدا ولا مثقال ذرّة. فإن الإتيان بلفظ عامّ منكّر بعد النفي يدل على غاية المبالغة في المنفي أي : فليس هذا من الإنصاف والعدل. ولا يخفى أن عدم الإغناء من باب عدم قابليّة الأصنام للشفاعة حيث إنها جماد وهي غير قادرة عليها فالانتفاء لانتفاء الموضوع (وَلا يُنْقِذُونِ) أي الأصنام لا يقدرون على أن يخلصوني من الضرر بنصر