والأشياء بجميع شؤونها مقهورة له ومحتاجة إليه.
٥ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) وهو يعلم بأن في خلقهما مقدار من آثار القدرة وأطوار الحكمة المندرجة التي تجعل المتفكّرين يتدبّرون فيها ويعرفون منها الصّانع ويعترفون بوحدانيته وكمال قدرته (بِالْحَقِ) أي خلقهما للغرض الحكمي لا أنّ خلقهما كان لا لغرض وبلا حكمة حتى يكون باطلا ولغوا (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) أي يدخله عليه ويغشّيه به كأنّما الليل ستار يطرح على النهار وكذلك العكس (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بأن أجراهما على وتيرة واحدة لا يتخلّفان عنها (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) هو منتهى دوره أو يوم القيامة (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) أي الغالب على كل شيء ولم يعاجل بالعقوبة ، وفي هذه الكريمة نبّه جلّ وعلا عباده على تمام قدرته وكمال صنعه وعلى وجود صانع عليم حكيم مدبّر قدير خبير وحيد في ذاته فوق الطّبع والطّبيعة. بيان ذلك أنّه سبحانه ذكر في هذه الآية ثلاثة أمور من آياته التكوينيّة : خلق السّماوات والأرض ، وتكوير اللّيل والنّهار ، وتسخير الشمس والقمر. وجميع تلك الآيات من آياته الكبرى. أمّا الأولى فقد أشرنا آنفا إلى أنه سبحانه كم من غرائب الأمور وعجائب الخلقة قد أودعها فيهما ، وقد اقتضت الحكمة في نشر بعضها وانطواء بعض آخر وهما العمادان في نظام عالم التكوين بل والتشريع من حيث استدلّ بخلقهما على كمال قدرته وغاية تدبيره وحكمته وحسن تقديره وأمّا الثّاني فإن النور والظلمة آيتان عجيبتان وأمرهما أعجب حيث إنّهما في كلّ يوم يغلب هذا تارة وذاك أخرى وبقيا هكذا منذ كانا ولا يزالان منذ يوم حدوثهما كذلك إلى يوم الانقضاء وظلّا على وتيرة واحدة بلا اختلاف عن خلقهما الأوّل ، ففي تعاقبهما واختلافهما المتتابع دلالة على أن كلّ واحد منهما مغلوب ومقهور بغالب وقاهر يكونان تحت حكمه وتدبيره الأحسن فتبارك الله أحسن الخالقين والمدبّرين. وأمّا الثالث من الآيات العجيبة