الكبرى ، فإن الشمس كوكب نهاريّ حاكم على كلّ كوكب نهاري وعلى جميع النّجوم والكواكب التي في فلكها ومدارها ، وكلّها تحت شعاعها ومندكّة فيها. والقمر سلطان اللّيل والحاكم فيه على الكواكب الليليّة. وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما ولهما آثار وخواصّ في موجوداته كنمّو الأجسام من الحيوانيّة والنباتيّة بل الجمادية على ما ينقل عن علماء علم معرفة الأشياء أو المتخصصين في علم الأرض من أنّ للجبال تنمية وتغذية ، أو بالنسبة إلى حركتها الجوهريّة ونضج الأثمار وإيجاد الخواص والآثار فيها وحلوها وحموضتها ومرّها وغير ذلك من الكيفيات المربوطة والمتعلقة بموجودات عالم التكوين. وقد قدّر سبحانه حركتهما وسيرهما من مطلع كل واحد منهما إلى مغربه بطور مخصوص إلى أجل مسمّى أي إلى منتهى دورهما أو يوم القيامة الكبرى كما شرحنا الأجل المسمّى قبيل ذلك ، فهما مسخّران بحيث لا يتخطّيان ما قدّر لهما من الزّمان في مدارهما وكيفيّة حركتهما من السرعة والبطء. فهذا التنظيم والتسخير يدلّان على أنّهما مغلوبان ومقهوران بغالب ومنظّم ومسخّران كائنان تحت حكمه وتنظيمه وتدبيره ، وهو من وراء العالم الطبيعيّ والكونيّ سبحانه وتعالى عن وصف الواصفين ومدح المادحين.
٦ ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) ثم إنّه سبحانه بعد أن استدلّ على إثبات وجوده وكمال قدرته بخلق الآفاق وآياته التكوينيّة ، استدلّ في هذه المباركة بخلق الأنفس وبآياته الأنفسيّة ، أي خلقة آدم وذرّيته ، وذلك لإظهار كمال قدرته بحسن خلقته حيث بيّن في هذه الآية أنّ جميع البشر من شخص واحد وهو آدم لأنّ حوّاء منه كما صرّح به سبحانه بقوله (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي من فضل طينته أو من ضلع من أضلاعه ، وهو آية ثانية. وكلمة (ثُمَ) تقتضي التّراخي بين الآيتين في الموجود لتفاوت ما بينهما من الفضل من جهات عديدة. الأوّل أن لآدم فضل الذّكورة ،