كسوتها لحما ثم حيوانا سويّا (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة البطن ، والرّحم ، والمشيمة. هكذا فسّر الإمام الباقر عليهالسلام الظلمات الثلاث. وعن الصادق عليهالسلام مثله وزاد : حيث لا حيلة له في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرّة ، فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات ، فلا يزال ذلك غذاؤه حتّى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضّياء هاج الطّلق (أي وجع الولادة) بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج فأعنفه حتّى يولد (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي الفاعل لهذه الأمور العجيبة والأطوار البديعة الغريبة هو الله الذي هو مالككم وسيّدكم ومصلح أموركم (لَهُ الْمُلْكُ) يعني أنه هو المالك للأشياء طرّا على الحقيقة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي فكيف تعدلون وتنصرفون عن توحيده إلى الإشراك به. ويتراءى في أول النظر من قوله جلّ وعزّ (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أنه تعالى يشتاق ويحتاج إلى عبادة الأنام اشتياق الفقير إلى ما عند الغنيّ ، فيدفع هذا التوهّم بقوله :
٧ ـ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ...) الخطاب إلى أهل مكة ، وقد أظهر سبحانه كمال اقتداره وغناه عن عبادتهم وتوحيدهم أو شكرهم لنعمه ، فإن آمنوا فلا ينفعه سبحانه إيمانهم ، وإن كفروا فلا يضرّه كفرهم ، بل نفع الإيمان وضرّ الكفر يرجعان إليهم لأنه تعالى غنيّ عن العالمين. نعم هو سبحانه (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) رحمة بهم وشفقة عليهم ، لأنه عالم بضرره لهم ، فهو كالوالد الشفيق على الولد الجاهل العاصي لأوامر والده الذي لا ينتهي لنواهيه ، ومع ذلك فإنه لو حدث له حادث يسوؤه ، نرى أن الوالد يتأذّى بأذاه ويتألّم بألمه رحمة به. فالله سبحانه كذلك بالنسبة إلى عباده الجهلة الغفلة لا يرضى بضررهم (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) لكنّه إذا شكروه على نعمة الإيمان وسائر نعمه فهو