ولا مظاهرة ، فأنّي لا أعبد الذي لا يقدر على دفع ضرر ولا إيصال نفع وأترك عبادة القادر المطلق وخالق الموجودات طرّا من العدم.
٢٤ و ٢٥ ـ (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ...) أي بيّن غير خاف على عاقل ومتدبّر. فلما سمع القوم مقالته هذه قصدوه وأرادوا قتله فتوجّه إلى الرّسل وقال (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) وقيل إنه توجّه إلى قومه بهذه الخطابة نصحا وعظة لهم ، لكنّهم كانوا يرجمونه بالحجارة وهو لا زال يقول اللهم اهد قومي حتى قتل رضوان الله تعالى عليه ، وقيل إنه صلب وأخذته الملائكة.
٢٦ و ٢٧ ـ (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ...) أي قال له الملائكة بأمر من الله تعالى لما قتلوه : ادخل الجنّة ، أو بشّره الرّسل بها قبل موته (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) هنا حذف القول للعلم به كأنّه قيل ما قال في الجنّة؟ فأجيب بأنه قال : يا ليت (الآية) وقوله بما غفر لي ربّي أي بغفرانه أو بالذي غفره بسبب إيماني (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) لمّا كان دخول الجنة له أمرا مقطوعا به ذكرت القصة في جميع الجمل بصيغة الماضي كقوله تعالى أتى أمر الله وبرزوا لله جميعا ونحوهما وأمثال ذلك كثيرة في الكتاب الكريم. أي ما اكتفى ربّي بالعفو عنّي والتجاوز عن ذنوبي ، بل أدخلنى في زمرة أهل الكرامة والجود ولهم مقام منيع رفيع في الجنة. وفي الجوامع ورد في حديث مرفوعا أنّه نصح قومه حيّا وميّتا : تمنّى رضوان الله تعالى عنهم علمه بحالهم وتلطّفا بهم ليرغبوا في مثله. نعم هذا شأن أولياء الله ولا زال ديدنهم هكذا بالنسبة الى البشر حيث ان الناس يرجمونهم ومع هذا يدعون لهم بالهداية والرّشاد حتى عند الوفاة فهم يتمنّون خيرهم وصلاحهم فيشابهون خالقهم في صفة الرّحمانيّة والإكرام إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التعظيم.
* * *