وحذف الياء لدلالة الكسرة عليها في هذه الآية وما قبلها. ونتيجة الكلام إن قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أريد به الخاص لا العام بقرائن متعدّدة منها ما ذكر ومنها الآيات التالية كما لا تخفى دلالتها والمراد (بالقول) هو الذي يكون أقرب إلى الحق والصّواب ، لا المطلق ، بقرينة قوله (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) فلا بد أن يكون المراد هو القول الحق الذي يتصوّر فيه الحسن والأحسن. وأما في غيره ممّا لا يكون فيه حسن فكيف يتصوّر فيه الأحسن؟ اللهمّ إلّا أن نقول بانسلاخ الأحسن عن معناه المصطلح ونقول إن معناه الحسن ، وحينئذ يمكن حمل القول على الأعم وهو خلاف الظاهر والذهاب إليه بلا قرينة خلاف ، ولا سيّما إذا كانت القرينة على ما هو الظاهر. والحاصل أن المعنى هو اتّباع الأحسن كما أن القصاص حسن لأنه حق ولكنّ العفو أفضل كما قال سبحانه (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) و (إن الصدقة فيها فضل لكن المخفي منها أفضل من علانيتها) قال تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وبذوي الأرحام أحسن ، والإحسان حسن ، وبالوالدين أحسن. وهكذا فالخالص من العباد هم الذين أحسن الأقوال ، وأشار سبحانه إليهم بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) إلى طريق الصواب التي توجب وصولهم الى حسن المآب (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أصحاب العقول السّليمة من شوائب الأوهام الفاسدة والتخيّلات الباطلة. ثم أنه تعالى على سبيل التّهديد يقول :
١٩ ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ ...) أي هل الذي وجب عليه كلمة العذاب وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) هذا إنكار واستبعاد لانقاذه وهذا جواب الشرط وكررت الهمزة لتكرير الإنكار لانقاذ من حقّ عليه العذاب ، وحقّ من ثبت ولزم عليه العذاب بالسّعي في دعائه إلى الإيمان. وفيها دلالة على أنّ من حكم عليه بالعذاب