الضّلالة إليه تعالى بهذا الاعتبار يعني أنه يخلّيهم وضلالتهم وهدايتهم فمن شاء فليكفر ومن شاء فليشكر بقبول قوله تعالى على لسان سفرائه ، فإنّهم لا ينطقون عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى. (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) أي يهديه ويلطف به لكونه أهلا للّطف والرحمة ، لأنّه بعد إرسال الرّسل وإتمام الحجة عليه يؤمن بالله والرسل ويترك سبيل الجحد والعناد والغيّ والنفاق ، فلا يقدر أحد أن يضلّه عمّا هو عليه إذ لا رادّ لتوفيق الله وفعله (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) غالب قادر لا يقدر أحد على مغالبته (ذِي انْتِقامٍ) صاحب قوّة قاهرة قادر بها على الانتقام من أعداء دينه والمنكرين له ولرسوله. وهذا الاستفهام تقريريّ وفي هذه الآية وعيد لكفار مكة ومن يحذو حذوهم من المشركين ، بأنه سبحانه عمّا قريب ينتقم منهم. كما أن فيها وعد للمؤمنين بالنّصر ثم أنه تعالى لإيضاح البرهان على تفرّده في الألوهية ووحدته في الخالقية يقول :
* * *
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠))
٣٨ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) أي الخالق