للسّماوات والأرض هل يعقل أن يكون غيره تعالى (لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي لأجابوا بلا تردّد : الله تعالى هو الخالق ولا يقدرون أن ينكروا مع كمال جحدهم وعنادهم لوضوح البرهان على تفرّده في الخالقيّة وليس له تعالى شريك في هذا الأمر بحيث لا ينكر أحد. وإذا أخذت الاعتراف من أهل الشّرك والنّفاق بتفردي بالخالقيّة اسألهم شيئا آخر (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام وغيرها من الآلهة (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) يعني اسألهم هل يدرون بأن آلهتهم يقدرون بأن يدفعوا عنّي ضررا توجّه إليّ من قبل الله إن أرادني بضرّ ، أو هل لهم القدرة والاستطاعة أن يمنعوا عنّي رحمة الله إذا أرادني بها كالصّحة والغنى والأولاد وغيرها فلا بدّ أن يكون الإقرار منهم بعدم قدرتهم على ذلك وعجزهم. فتركهم عبادة القادر المطلق وخالق العالم وعبادة الجماد الذي هو عاجز مطلق ، كاشف عن غاية السّفاهة وكمال الجهالة. ولا يخفى أن (الكاشفات) و (الممسكات) اللتين هما من صيغ التأنيث بعد قوله تعالى قبلهما (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) تنبيه على نهاية ضعف الآلهة الباطلة وكمال عجزها عن كشف الضرّ وإمساك الرّحمة. بيان ذلك أن الأنوثة من باب اللين والرّخاوة كما أن الذكورة من باب الشدّة والصّلابة ، وبالمقابل فإن الرّسول صلىاللهعليهوآله لما سألهم عن ذلك عجزوا عن الجواب ولم يستطيعوا جوابا ، فلمّا أفحمهم قال الله سبحانه (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) كاشفا للضّر ومصيبا بالرّحمة (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي به يثق الواثقون لعلمهم بأن الكل منه. ولمّا أورد الله عليهم الحجّة الواضحة قال على سبيل التهديد الشّديد :
٣٩ و ٤٠ ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ...) أي على قدر تمكّنكم وجهدكم وطاقتكم في إهلاكي وتضعيف أمري (إِنِّي عامِلٌ) مقدار وسعي واستطاعتي في تقدّم مرامي ومقصدي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ