يخسرون بموته وربما يقعون في ظلمة عمياء كما إذا لم يكن غيره بينهم حتى يستفيدوا منه ويستضيئوا بنور علمه ومعارفه.
٣٠ ـ (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ...) أي يا حزناه ويا أسفاه عليهم حيث ظلموا أنفسهم وأتلفوا أعمارهم في الكفر جحودا وعنادا لله ورسوله فخسروا خسرانا مبينا وخلّدوا أنفسهم في نار جهنّم وبئس المصير. ونصبه بفعل محذوف ، أي : يا أيّها المتحسّر تحسّر حسرة. وهذه الكلمة صارت من الأمثلة الجارية على ألسن الناس في مقام التحزّن والتلطف على شخص. ثم إنه سبحانه تخويفا لمشركي قريش يقول :
٣١ ـ (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ ...) أي ألم يعلموا كم أهلكنا قبلهم (مِنَ الْقُرُونِ) ممّن قد مضى سابقا عليهم كقوم عاد وثمود وأصحاب الرسّ وأنطاكية أفلا يشاهدون آثار بيوتهم في أسفارهم وهي شاهدة عليهم؟ أفلا يتدبّرون أم على قلوبهم أقفالها (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) أي إنّ الهالكين لا يرجعون إلى أهل مكة ولا إلى الدنيا يعودون ، فلما ذا لا يعتبرون من الماضين؟ ولماذا لا يقيسون حال المهلكين بحالهم أو حالهم بحالهم ولا يحذرون ممّا هو واقع بهم في نتيجة كفرهم وجحودهم وعنادهم؟
٣٢ ـ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ...) يحتمل كون (إِنْ) مخفّفة من الثقيلة و (لَمَّا) مخفّفة و (ما) مزيدة للتأكيد ، وكذا اللّام المزيدة عليها وهي الفارقة بينها وبين النافية فلها فائدتان. كما أنّ كلمة (جَمِيعٌ) و (كُلٌ) للتأكيد ردّا على منكري الحشر والنّشر وهم الدهريّون الذين قالوا (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) ويحتمل كونها نافية فحينئذ (لَمَّا) مشدّدة بمعنى (إلّا) وحاصل المعنى أنّ الأمم يوم القيامة ، من الماضين والباقين ، مبعوثون للحساب وجزاء الأعمال ، أنكروا البعث أو قبلوه. ثم قال تعالى :
* * *