الله تعالى إلى الإنسان في هذه الكريمة يلفت النظر إلى أن المراد هو الإنسان النّوعي الذي يشمل أهل مكة وغيرهم ، ولكن يظهر من بعض المفسّرين إن المراد به هو خصوص أهل مكّة. بيان ذلك أن هذه الشريفة عطف على سابقتها وهي قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) وإيثار (الفاء) على الواو العاطفة لمسبّبيه هذه الآية المعطوفة عن المعطوف عليها معنى ، وما بينهما جملات معترضات لتأكيد إنكارهم ، ولغيره من الجهات. وحاصل المعنى أن كفار مكة لما اشمأزّوا من كلمة التوحيد وكانوا يفرحون إذا ذكرت آلهتهم ، ومع ذلك كلّه لمّا أصابتهم مصيبة لجأوا إليه سبحانه على ما أخبر الله تعالى من تعاكس أحوالهم وتقلّبهم. والمراد (بالضّر) هو الفقر والفاقة والقحط والغلاء والمرض ونحوها من الشدائد التي لا يقدر على دفعها ورفعها إلّا الله سبحانه. فإذا مسّهم الضرّ ، أو مسّ الإنسان النوعيّ (دَعانا) أي فزعوا إلينا لكشف ضرّهم (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أي أعطيناهم سعة في المال أو العافية في البدن تفضّلا منّا لا على وجه الاستحقاق (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أي أخذته من الله باستحقاقي له ، أو بعلم منّي بكيفيّة جلبه وكسبه وبسبب جدّي وجهدي ، فإن كان مالا قال إنّما حصل بكسبي ، وإن كان صحّة قال إنما حصل بسبب العلاج الذي علمته. وهذا تناقض واضح فإنه كان في حال العجز والحاجة يطلب من الله كشفه وأسنده إليه ، وبعد كشف الضرّ ورفع الشدائد من جانبه تعالى أضافه إليه (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يقول تعالى ردّا عليه : ليس الأمر كما يقول ويزعم ، بل هو اختبار وامتحان ابتلاه الله بهما ليعلم أيشكر أم يكفر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن النعمة امتحان للعباد بالشكر وعدمه كما إن البلاء كذلك.
٥٠ و ٥١ ـ (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي تلك المقالة (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) وهو قارون حيث قال (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) فالتفوّه