بهذه الكلمة ليس أمرا بديعا جديدا بل تفوّهوا بها قديما كما تفوّهوا بها حديثا (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي لم ينفعهم ما كانوا يجمعونه من متاع الدنيا ومن الأموال بل صارت وبالا عليهم لأنهم قالوا مثل قول هؤلاء الكفرة (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفّار أنه أصابهم جزاء أعمالهم السيئة. وإنّما سمّى جزاء السيئة سيئات لازدواج الكلام كقوله (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي من كفّار قومك بعتوّهم وجحدهم (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) كما أصاب أولئك. وقد أصابهم القحط سبع سنين والقتل والأسر في بدر (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي بفائتين تعذيبنا إيّاهم وما كان لهم قدرة تعجزنا عن عذابهم.
٥٢ ـ (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ...) أي يوسّع الرزق على من يشاء ويضيق على من يشاء بحسب ما يرى من المصلحة وتقتضي حكمته. بيان ذلك أنّا نرى الناس مختلفين في السعة والضّيق ولا بدّ لذلك من سبب. وليس عقل الرّجل ولا جهله السبب في ذلك لأنّا نرى العاقل في أشدّ الضيق والجاهل في غاية السعة وكذلك العكس فالعاقل مع ذلك يعيش في كمال العسر والرجل الأبله يعيش في غاية الرّفاهية واليسار. وليس ذلك أيضا لأجل الطّبائع والأنجم والأفلاك كما يزعم بعضهم لأنّا نرى في السّاعة التي ولد فيها ملك كبير وسلطان قاهر قد ولد في تلك الساعة كثير من الناس ، بل في تلك البلدة التي ولد فيها الملك أو الوزير أو الفيلسوف ، نشاهد وقوع تلك الحوادث فيها وفي نفس السّاعة قران ولادتهم مع مواليد كثيرة مع كونهم مختلفين في السّعادة والشقاوة وفي الرفعة والضعة وغير ذلك من الأوصاف والعوارض. ومن هنا أنّ المؤثّر الوحيد هو الله لا الطّبيعة كما يزعم الطبيعيّون ولا الطّالع والأنجم والأفلاك على ما زعم المنجّمون ، لأنّ الطبيعة والأفلاك ونحوهما إن كانت تقتضي السّعد مثلا للملك فلا بدّ أن