الجمع والآخر بلفظ الفرد ، فنقول : لعلّ الوجه بيان أن السّماوات طبقاتها منحازة كلّ واحدة عن الأخرى ، وبين كلّ طبقة وطبقة أخرى فاصل كبير بحيث قدّر في بعض الأخبار بخمسمئة سنة يمشي فيها الماشي السير المتعارف أو مع المركوب المتعارف ، بخلاف طبقات الأرض حيث إنّ كلّ طبقة منها موضوعة على الأخرى وملتصقة بها التصاق كلّ طبقة من العمارة الّتي تكون ذات طبقات فكأنّ الأرضين بواسطة اتّصال الطبقات بالكيفيّة المذكورة أرض واحدة بخلاف السّماوات فإن كلّ طبقة منها منفصلة عن الأخرى بفاصل كبير ، ولهذه النكتة أتى سبحانه بلفظ الجمع في السّماء وبالمفرد في الأرض والله تعالى أعلم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي بدلائل قدرته واستبداده في أمور السّماوات والأرض أو ما يدل على توحيده وتمجيده وتنزيهه عن الشرك وعمّا يقول الكافرون (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم آثروا الحياة الدّنيا الفانية على الآخرة الباقية وباعوا نعمة الجنان بعقوبات النّيران ، فأيّ خسران أزيد وأعظم من هذا ، فوا سوأتاه عليهم وعلى أمثالهم.
٦٤ ـ (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ ...) أي هل ينبغي أن يصدر منكم أمر لي بأن أعبد تلك الجمادات العجزة من المخلوقين ، مع أنكم تحسبون أنكم من العقلاء؟ وهل من حكم العقل أن يعبد العاقل من هو أدنى منه واحطّ ، ويترك عبادة خالق السماوات والأرض وواهب العقل والقوى جميعا؟ والاستفهام إنكاري ، أي لا يتعقّل عاقل بأن يعبد غير الله فضلا عن أن يأمر غيره بذلك ، ولذا خاطبهم بقوله سبحانه (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) أي بعواقب أموركم وبعجز آلهتكم عن إيصال نفع أو رفع ضرر حتى عن أنفسهم ، فكيف عن غيرهم؟ فعبادة هذه الأصنام يدلّ على غاية الجهل والغواية والمصير إلى الهاوية. وفي الجوامع روى أنّهم قالوا : استلم بعض آلهتنا نؤمن بإلهك فنزلت.