بقرينة (جَمِيعاً) فإنّ هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلّا على الجمع فإنّ الأوصاف إذا كانت جمعا تدل على أن الموصوف جمع فيستفاد من الكريمة الشريفة كون الأرض جملة أرضين منفصلة بعضها عن بعض ، وربما كانت كلها مسكونة أو غير مسكونة فعلم ذلك عند الله تعالى. وقول علماء الأرض بالنسبة لطبقاتها الملتّفة بعضها فوق بعض يعني أرضنا وحدها ، ولا تصدق على ما خلق سبحانه من أرضين سبع ، (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) نزّه تعالى شأنه نفسه المنزّهة عن شركهم وعمّا يضيفونه إليه من نسبة الشّبه والمثل والجسم ولوازمه ، ويحتمل أن يكون هذا الكلام على سبيل الاستعجاب أي كيف يتفوّهون بالإشراك مع عظم قدره تعالى عنه وعلوّ ذاته من إضافة الشبه والمثل إليه ... وبعد إظهار القدرة بالإضافة إلى جميع مقدوراته من البعث والنشر اللّذين أنكروهما أشدّ إنكار ، يخبر سبحانه عن إيقاعه القيامة وبيان أحوال النشأة الأخرى فيقول عزّ من قائل :
٦٨ ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ ...) يعني النفخة الأولى. والصّور قرن ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام. ولعل وجه الحكمة في ذلك أنه علامة جعلها الله تعالى ، ليعلم النّاس آخر أمرهم في دار التكليف ، ثم بعد ظهور هذه العلامة يتجدّد الخلق. فشبّه ذلك بما هو المتعارف في الجيوش من بوق الرّحيل والنّزول. فكأنّه نفخ في الصور للخلق أوّلا لأن يموتوا ، وثانيا لأن يبعثوا ويحشروا (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي يموت كلّ ذي روح في السّماوات وفي الأرض من شدّة تلك الصّيحة. ويقال صعق فلان إذا مات بحالة هائلة (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي شاء أن لا يموت بأن تأخّر موته كحملة العرش أو غيرهم كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهمالسلام على ما قال به ابن عبّاس وهو المروي. والآخر من الأقوال أنهم هم الشهداء ، وهناك أقوال أخر في المستثنى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) أي مرة أخرى (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)