٢ و ٣ ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ...) أي العزيز في سلطانه ، والعليم بكلّ شيء (غافِرِ الذَّنْبِ) أي للمؤمنين ، وهو للدّوام ، فالإضافة حقيقيّة فصحّ وصف المعرفة به وكذا (قابِلِ التَّوْبِ) مصدر التّوبة (شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) أي الفضل والإنعام أو الغنى. وقد وصف سبحانه نفسه بما هو جامع للوعد والوعيد والترهيب والترغيب (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي المرجع للجزاء. ولمّا علم أن تنزيل هذا القرآن من عند الله المتّصف بهذه الصّفات فيلزم اتّباعه والانقياد له ولا ينبغي الجحد وإنكاره ، فلذا يقول سبحانه ما قال في كتابه :
٤ ـ (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ...) أي ما يطعن في القرآن إلّا الذين كفروا وأنكروا نعم ربّهم وجحدوها. والمراد بهذه المجادلة هو الجدال بالباطل ، أي دفع الحجج والبراهين القرآنيّة وإدحاض الحق وإطفاء نوره كما قال تعالى (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) لا الجدال بمعنى البحث لحلّ مشاكل القرآن وبيان متشابهاته واستنباط حقائقه وقطع شك أهل الزيغ والنّفاق به والجدّ في فهم غوامضه ، فإنّ هذا من أعظم الطاعات ، ولما كان أهل الجدل والعناد مع وفور نعمهم واستغراقهم فيها مصرّين على كفرهم ونفاقهم ، هدّدهم بقوله (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي لا يخدعنّك أسفارهم في بلاد اليمن والشام للتّجارات المربحة واستفادات المنافع الكثيرة ، فإن إمهالي لهم ليس لإهمال عقوبتهم بل لازديادها ، فإنّي لبالمرصاد لهم ، وإنهم بعد أن صاروا مغمورين ومرفّهين بالنّعم فإنى آخذهم أخذ عزيز مقتدر كما عملنا بمن كان قبلهم من الأمم.
٥ ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...) أي كذّبت قوم نوح نوحا (وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي الطوائف الأخر بعد قوم نوح كذّبوا رسلهم كقوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ) أي قصدوا