وأما وجه أنّ معجزاته ودلائل صدقه كان من سنخ ما يشبه السحر ، فهو إن سنّة الله جرت على أن تكون معجزات الأنبياء في كلّ عصر من سنخ ما يشتهر بين الناس وكانوا به يفتخرون ويتفاخرون الواحد على الآخر إذا كان هو أشهر من غيره فيما هو المشهور من الصنعة أو العلم بشيء خاص يفتقده الآخر ، مثل ما كان مشهورا في زمان عيسى من علم الطبّ ، وفي زمان موسى من صنعة السّحر ، وفي عصر خاتم الأنبياء من البلاغة والفصاحة ، ولذا قرّر أن تكون معجزة عيسى شفاء الأبرص والأعمى الذي عجز عن إبرائه الأطباء ، وإبراء الأكمه أي من زال عقله أو تولّد أعمى ، وكان في بعض الأوقات يحيي الموتى. ثم كانت معجزة موسى عليهالسلام اليد البيضاء وتصيير العصا حيّة تسعى وكان الرائج في زمانه هو السّحر ، ولذا كان للسحرة مقام منيع في جميع البلدان. وفي زمان نبيّنا الخاتم كانت الفصاحة رائجة شائعة وكان للشعراء وجاهة عظيمة عند الناس ، فأنزل الله القرآن على النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وتحدّى به جميع الفصحاء والبلغاء بأن يأتوا بمثله فلم يقدروا أن يأتوا به. وهكذا في كل عصر كانت المعجزات من سنخ ما اشتهر حتى يكون عجزهم عن الإتيان بمثل ما أتى به نبيّ ذلك الزمان معجزة لنبيّهم ، فإذا لم يؤمنوا مع تماميّة الحجّة يأخذهم الله بعذاب فيهلكوا جميعا.
٢٥ ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا ...) أي أتاهم بالدّين الحق الذي كان من عندنا ، وأمرهم بالتوحيد (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي أعيدوا على بني إسرائيل القتل الذي كان عليهم أوّلا قبل ولادة موسى حين قال المنجّمون لفرعون إنّه سيولد في بني إسرائيل ولد يكون زوال ملكك بيده ، فحكم بأن يقتلوا كلّ مولود ذكر يولد في بني إسرائيل (وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي خلّوهنّ حتى يخدمن القبطيّين. ووجه هذا القتل لكي يصدّوا. ويمنعوا ظهور موسى (ع) ويقلّ عدد جنوده وسواد