قوله (قَدَّرْناهُ) منازل ، أي مسيره منازل وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل كلّ ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه. والتقدير : وجعلنا القمر ذا منازل ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وهذه المنازل من البروج الاثني عشر ، وتزايد نور القمر وتناقصه على حسب بعده من الشمس وقربه ، فكلّما بعد في منازله من الشمس يزيد نوره ، وكلّما قرب بها لينقص تدريجا ويميل إلى التقوّس إلى أن يعود في آخر الشهر وآخر منازله دقيقا بحيث يرى كالعرجون وهو أصل العذق أي أصل العنقود ، (الْقَدِيمِ) الذي يعوجّ لثقل العذق تدريجا فيميل إلى المركز أي الأرض ويبقى على النخل يابسا بعد التقاط التمر والرّطب عنه ، ثم يخفى القمر يومين آخر الشهر وهما يسمّيان بليالي المحاق ، وقيل هي ثلاث ليال ، والمشهور ليلتان ، وفيهما يقرب القمر باجتماعه مع الشمس ويحصل له تمام القرب في آخر منزله بحيث يضمحل نور القمر وينمحي تحت شعاعها كما في الشمعة التي توضع تحت السّماء في رابعة النهار (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) والمراد بالقديم : قيل هو مضيّ ستّة أشهر لأن العذق أصله يصير كذلك في هذه المدّة وقيل معناه المعوجّ العتيق. قال رجل حين موته : كلّ مملوك لي قديم فهو حرّ لوجه الله. وسئل الرّضا (ع) عن ذلك فقال : كلّ مملوك دخل في ملكه وبقي ستة أشهر فيه فهو حرّ. فسئل من أين تقول هذا؟ قال إن الله يقول : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) وعذق النخل يصير كذلك في مدة ستة أشهر. ثم إنه تعالى أخذ في بيان تعاقب الشمس والقمر وتتالي الليل والنهار الذي يفيد الحيوانات والذي تكوّن النباتات منوط به ومعلق عليه فقال :
٤٠ ـ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها ...) أي لا يصحّ ولا يتأتّى (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في سرعة سيره لإخلال ذلك بالنظام الأحسن ، فإن القمر أسرع سيرا من الشمس لأنه يقطع البروج الاثني عشر في شهر ، والشمس في