تسكنون فيها وهي منزلكم أحياء وأمواتا إلى يوم لقاء الله (وَالسَّماءَ بِناءً) أي كالقبّة المضروبة على الأرض قائمة ثابتة. ومن مننه على العباد أنه جعل السماء مرتفعة ولو جعلها رتقا مع الأرض لما كان يمكن الانتفاع في ما بينهما ، بل لما كان للخلق أن يعيشوا على وجه الأرض (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لأنّ صورة بني آدم طبق صورة أبيهم وهي أحسن صورة الحيوانات : قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل بيده ويتناول بها ، وغيره يأكل بفيه بادي البشرة ولذلك سمّي بشرا منتصب القامة متناسب الأعضاء متهيّئا لاكتساب الصّنايع والكمالات. ولكون هذه الصّورة من بدائع عالم الكون وأعاجيبه قال تعالى (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وما قال ولن يقول في شيء من بدائع الخلقة مثل هذا التبريك لذاته المقدّسة. ومن هذا نستكشف كشفا تامّا أن تلك الصّنعة أعظم وأعجب صنائعه وأكمل مخلوقاته السماويّة والأرضيّة ، وقد شبعنا الكلام في هذا الإبداع سابقا ولا نعيده (رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني تعيّن وتميّز أرزاقكم ممّا جعل للحيوانات الأخر ، فرزقكم أنواع الفواكه اللذيذة ومن النباتات الطيّبة من حيث الطعم والريح ، ومن الحبوب ذوات الخواصّ والآثار المفيدة (ذلِكُمُ) أي الخالق لهذه الأشياء والمنعوت بهذه النعوت الخاصّة (اللهُ رَبُّكُمْ) أي الجامع لصفات الجلال والجمال والمتّصف بصفة الرّبوبيّة بالإضافة إليكم خاصّة ، ولا ربّ لكم سواه وبالنسبة إلى جميع العوالم (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) إنّه تعالى يقدّس نفسه بربوبيّته لجميع العوالم كما أنه بارك وقدّس ذاته بخليقته البديعة بأجمعها.
٦٥ ـ (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...) أي المتفرّد بحياته الذاتيّة لا إله إلّا هو بمعنى لا أحد يساويه في ذاته وفي ألوهيّته (فَادْعُوهُ) يعني تفرّع على صفاته الخاصّة به المذكورة الّتي لا تليق بغيره أن العبادة منحصرة به فلذا أمر عباده أن يدعوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي بشرط كونها خالصة من