الشّرك والرّياء وهذا شرط قبولها وإذا وفّقوا لذلك فحينئذ يقولون : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ولما كانت قريش بل الكفّار مطلقا بكلمة واحدة كثيرا ما يرغبّون الرسول الأكرم في أن يدخل في ديدنهم ودينهم قال الله سبحانه وتعالى :
٦٦ ـ (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ...) أي يا محمد قل لهؤلاء المشركين : أنا منهيّ عن عبادة آلهتكم التي تعبدونها حال كونهم غير الله الذي هو خالق كلّ شيء. فأدّب المشركين بألين بيان ليصرفهم عن عبادة الأوثان وبيّن أنّ وجه النّهي ما جاءه من البيّنات كما قاله سبحانه (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) أي بعد مجيء البراهين الواضحة والدلائل السّاطعة على حقّانيّة معبودي وديني من صفات القدرة والخلق والرزق ، والعقل يحكم بأن العبادة لا تليق إلّا لمن كان موصوفا بهذه الصّفات ، ويستنكر كمال الاستنكار ويستقبح غاية القبح أن يعبد أشرف المخلوقات أدنى المخلوقات وهي الجمادات ويجعله شريكا لمن هو الواجد للصّفات المذكورة ، فأين التراب وربّ الأرباب؟ (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي أخلص له وانقاد لأمره الذي يملك تدبير الخلائق والعوالم بحذافيرها. ثم إنه تعالى ما اكتفى بذكر ما سبق من الأدلة الدالة على التوحيد وإبطال الشّرك ، بل أعاد ذكر الأدلة الأخر مبالغة وتأكيدا لما سبق وإتماما للحجّة على الكفرة المتمرّدين على الحق والجحدة لنعمه فقال سبحانه :
٦٧ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) أي خلق أباكم آدم من تراب وأنتم سلالته وإليه تنتمون. هذا وما بعده من المراتب والدرجات حجج ملازمة لذات البشر بحسب العادة النوعيّة ، وكل عاقل ومتدبّر إذا تدبّر في خلقته بهذه الكيفيّة يعترف ويقرّ إذا لم يكن من أهل الجحد والعناد بأن له خالقا قادرا يستحق العبادة ، وغيره ليس بشيء (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي أنشأ