بها وسمّوها نحسات. وأجاب المنجمون بأن النحس في وضع اللّغة هو المشؤوم لأنّ النحس يقابله السعد والكدر يقابله الصّافي فالقول بأن النحوسة باعتبار كونها ذات غبار وتراب لا يساعده التعبير بالنحسات بل المناسب هو التعبير بالكدرات هذا وثانيا أن الله تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات فلا بدّ وأن يكون قبل العذاب نحوسة مغايرة لذلك العذاب كما لا يخفى على أولي الألباب.
١٧ ـ (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ ...) أي فدلّلناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرّسل وإظهار البراهين والمعجزات على ألسنتهم وأيديهم (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي آثروا على الهداية الضلالة أي ضلالة الكفر والطّغيان (فَأَخَذَتْهُمْ) أي شملتهم وتناولتهم (صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي عذاب الذلّ والحقارة. وإضافة الصّاعقة إلى العذاب بيانيّة (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي بسبب شركهم وتكذيبهم نبيّهم صالحا وعقرهم الناقة ثم إن الرّازي بعد ما عثر على استدلال المعتزلة بالآية في الردّ على الجبريّة فقد نهض في الرّد عليهم واستدل على صحّة مذهب الجبريّة بدليل أضعف من بيت العنكبوت وهو أنّه قال إنّ أحدا لا يحبّ العمى والجهل مع العلم بكونه جهلا ، ومقصوده من هذا البيان أنّ جهله بإجبار الله إيّاه يجعل الآية من أدلّة مذهبه. والعجب من الرّازي أنّه كيف صار جبريّا وأدلّته على مدّعاه من هذا السنخ وكلماته ما أقربها إلى الشعوذة لأنه بهذه التقريرات قد أراد أن يثبت أن الكفر والإيمان يحصلان من الله جبرا لا من العبد ، ومراده أنّ أحدا لا يختار العمى والضّلالة مع العلم بأنها ضلالة فحينئذ يلزم أنّ جميع المعاصي الصّادرة من العباد غير مأخوذ بها لأنهم لا يعتقدون أنها جهل وعماية وكلّ حزب بما لديهم فرحون. فإن قيل كيف أنذر قومه بمثل صاعقة عاد وثمود مع العلم بعدم تعذيب أمته به وقد صرّح الله بذلك إذ قال تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وفي