هذه الأعضاء فإنها قد تتصدّى إمّا بالمباشرة كالغيبة استماعا وكالأغاني والأباطيل من الكلمات واللهويّات والكذب والبهتان والافتراء ونحوها ممّا لا يجوز استماعه ، وإمّا بمنشئيّة صدور الحرام عن بعض الجوارح كاستماعها إن المرأة الفلانيّة صاحبة جمال مثلا فإذا استمع تميل نفسه إليها بحيث يمشي إليها فيقع فيما لا يرضى الله تعالى بصدوره عن عباده. فنوع الجوارح يقع في معصية الله والمنشأ هو السّمع ، وكذلك البصر فقد ينظر إلى ما لا يرضى الله النظر إليه ، فالأبصار تعصي وتصير باعثة لأن تميل النفس الأمّارة بالسوء ، فتجرّ الجوارح قهرا إلى صدور بعض القبائح عنها وفي الرواية أنّ النظرة سهم من سهام الشيطان ، ومعناها هذا. ففي مثل هذه النظرة يضاعف العقاب لمضاعفة الإثم. وأمّا الجلود فكناية عن سائر الأعضاء التي لها القابلية لأن تصدر منها المعاصي. وقال ابن عباس : المراد بالجلود هو الفروج على طريق الكناية كما قال سبحانه وتعالى : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) وأراد النكاح. وقال (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) وأراد قضاء الحاجة.
٢١ ـ (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) ... أي يقول الكفرة لجوارحهم على سبيل التّوبيخ أو التعجّب لأنهم ما كانوا مترقّبين من أعضائهم الشهادة عليهم ، فيقولون : لم شهدتم علينا مع أنّ لنا الحق عليكم حيث كنتم في دار الدّنيا في حفظنا وحراستنا ، واليوم نحن في صدر نجاتكم من النّار (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي الله تعالى أعطانا قوّة النطق وعلّمنا البيان وألهمنا الشهادة والاعتراف بما عملناه وفعلناه. وقال القمّي : نزلت في يوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا شيئا فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم. وقال الصّادق عليهالسلام : فيقولون لله : يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله عزوجل (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً