تضبط فيه الأصوات أي الأقوال التي تصدر من الإنسان ، وأن هيكل الإنسان بمنزلة آلة المصوّرين في أخذ الصّور وانتقاشها وارتسامها فيها فكلّ عمل يصدر من الإنسان ينتقش في بدن الإنسان على جلده ، وفي يوم القيامة تجيء بتلك الصور المنقوشة فينفخ فيها فيتجسّم الصوت ولا غرو فيه ، بل قد تظهر الصورة بقدرة الله ، وإن كانت قد أثبتت في صحيفة الأعمال ، ولعلّ هذا هو معنى تجسّم الأعمال. فلو قيل به فليس ببعيد أن يقرع السّمع به فينكره كما كان ينكر قبل عصرنا هذا. بل لو ادّعى مدّع بأن العالم بحذافيره بمنزلة محفظة وتلفزيون كبير لارتسام صور البشر جميعا وانتقاشها فيه حال كونهم مشتغلين بأعمالهم إن خيرا وإن شرا ، ولضبط أصواتهم وأقوالهم ، فالفضاء تحفظ فيه الأصوات وغيرها من أجسامه العنصرية الكثيفة وترتسم فيها الصّور أو ترتسم في العلويّات صور الأشخاص ، حال اشتغالهم بالأعمال دلالة على هذا فليس بمنكر من القول (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) لأنكم لم تستتروا مخافة شهادة السمع عليكم (وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) يعني لم يكن استتاركم عند ارتكابكم للأعمال القبيحة خوفا من شهادة الأعضاء عليكم وإن يعلمه الله ، بل لأجل أنكم (ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) خفاء ، ولهذه الجهة كنتم تخفون قبائح أعمالكم. وأمّا مسألة شهادة الجوارح فما كنتم تعقلونها ولا تقبلونها في دار الدّنيا لانكاركم البعث فكيف بلوازمها؟
٢٣ ـ (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ) ... أي ذلك الظن بربّكم (أَرْداكُمْ) أي أهلككم (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) باستبدالكم بالجنة النار ، وبإيثاركم النار على الجنة ... والظن جاء بمعنى العلم والاستيقان ومنه (ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) أي (أيقنوا) وتأتي أيضا للدّلالة على الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض نحو (ظننت زيدا صاحبك) وهذا هو معناه الرّائج الذي تحمل عليه بلا احتياج إلى القرينة