٣٥ ـ (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ... أي لا يعطى هذه الخصلة الحميدة ، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان ، إلّا أهل الصّبر ، حيث إن فيها منع النفس عن الانتقام مع القدرة عليه ، وكظم الغيظ ، وهما أمران تحمّلهما شاقّ وكلفة على النفس (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي الذين لهم حظّ ونصيب وافر من العقل وكمال الإيمان أو خير الدنيا والآخرة ، وهما أعظم الحظوظ مجتمعة.
٣٦ ـ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ) ... (إِمَّا) مركّب من (إن) الشرطية و (ما) الزائدة أدغمت في (ما) الزائدة للتّأكيد. أي وإن أغراك الشيطان ووسوس لك وسوسة صارفة عمّا أمرت به من الدفع بالّتي هي أحسن بل ألجأك أن تقابل السيّئة بأسوأ منها (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي فالجأ إلى الله تعالى واطلب منه تعالى إنجاءك من مكره وكيده ، فلربّ شرارة أذكت نارا ضاع فيها كثير من النفوس مع أنها كلمة بسيطة كان علاجها بعضا من الحلم وقليلا من الكظم ، وليس ذلك إلّا من عمل الشيطان الغويّ المضل. ولا يخفى على صاحب القريحة الموهوبة من الله وعلى من أعطاه الله سبحانه حظّا وافيا من علوم القرآن أنّه سبحانه كيف علّم نبيّه إقامة الدّعوة وآداب المناظرة ، وجمع في الآية طريق السلوك مع النفوس القاصرة في إثبات الدّعوة والجدل لإثبات الحجج الحقة ، وكيف أدّب نبيّه بمكارم الأخلاق بحيث عجزت نفوس البشر وقصّرت عن أن تدرك وتعرف هذه الكيفيات وهذا القسم من الجدال العملي الذي هو أحسن من القولي ولا سيما لأرباب النفوس القاصرة والهمج من الناس. وهو سبحانه أيضا نبّه رسوله في مقام المخاصمة مع عدوّه القويّ على أن يستعين به عزوجل فإنه خير معين وأحسن ناصر والاستعانة بغيره سبحانه لا تغني من الشيطان شيئا. وهذه الآيات تنبيه وتعليم للعباد مطلقا وبالأخص لأهل العلم ، فإن كتاب الله العزيز وارد في مورد وجار في نظيره مع قطع النظر عن أن