التي أظهرها على جميع خلقه هي الليل الذي يحصل بذهاب الشمس عن بسيط الأرض والنهار الذي يوجد بطلوعها على وجهها والأول للاستراحة والثاني لكسب المعيشة. وهذان أظهر آثارهما وإلا فلهما آثار وخصائص لا يعدّهما العادّون ولا يحصيهما العارفون ، وقدّرهما تقديرا مستقرّا ودبّرهما على نظام مستمر. ومن آثار قدرته أن خلقهما (وَ) خلق (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) بما لهما ممّا اختصّا به من النور وغيره من الآثار التي لا نهاية لها ، وما ظهر فيهما من التدبير في التيسير والتقرير في العمل وتقديرهما فيه بحيث لا يزيدان ولا ينقصان في مرور الدهور ومضيّ العصور ، ومع هذه العظمة في هاتين الآيتين (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لأنّهما مخلوقان مأموران مثلكم ليس لهما مزيّة رتبة المعبوديّة عليكم بل لكم المزيّة عليهما بمراتب كثيرة (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) إنّما قال خلقهنّ وأورد الضمير جمعا مؤنّثا لوجهين : أحدهما أنّ حكم جماعة غير ما يعقل حكم جماعة الأنثى ، بل قيل حكم ما لا يعقل مطلقا حكم الأنثى. والثاني أن الضّمير يرجع إلى الآيات والآيات باعتبار لفظها مؤنث ، وكذا باعتبار معناها : أي الشمس واللّيل والقمر والنهار بالنظر إلى التغليب. وهذا الجواب جواب عن كون الضمير جمعا مؤنّثا لا عن كونه جمعا لما يعقل والآيات ممّا لا يعقل فلا يناسبها ضمير جمع المؤنث العاقل. فالجواب عن هذه الناحية هو الجواب الأوّل. وأما موضع السّجدة عند المشهور فعند قوله (تَعْبُدُونَ) وقيل عند قوله وهم (لا يَسْأَمُونَ) وحاصل معنى الشريفة أنه لو أردتم السجود لشيء فاسجدوا لله الذي خلق الأشياء بقدرته وأخرجها من كتم العدم إلى صفحة الوجود ، فهو أهل لذلك لا غيره (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) اي لو أردتم بعبادتكم أن تعبدوا الله ، فالله هو خالق الشمس والقمر وليسا أهلا للعبادة ، فإيّاه فاعبدوا ، لا المخلوق المحتاج الذي هو مثلكم.
٣٨ ـ (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) ... فإن استكبروا عن السّجود