وعبادته تعالى وعن امتثال سائر أوامره ونواهيه (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) من الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي لا يزالون مشغولين بالامتثال لأوامره (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) لا يملّون من العبادة بأيّ كيفيّة كانت ، فلا يحتاج الربّ المتعالي إلى عبادة بني آدم وتقديسهم ، بل هو غير محتاج إلى عبادة أحد ، حيث إنه غنيّ على الإطلاق ، وعبادات المخلوقين يرجع نفعها إليهم لأنها سبب لرفع درجاتهم وتقرّبهم إليه جلّ وعلا. وقيل إن الملائكة أكثر من الجنّ بكثير وهؤلاء أكثر من الإنس بكثير.
٣٩ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ... أي متذلّلة متهيّئة لما يرد وينزل عليها منه تعالى من اليبس والجفاف لعدم نزول المطر عليها (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) أي تحركت بما نبت عليها وانتفخت بالنّبات كما أن العجين ينتفخ ويتورّم حينما تخبط به المادّة المرسومة المعروفة عند الخبّازين باسم الخميرة ، فإنه علامة للوقت الذي يخبز فيه ، فكذلك الأرض اليابسة إذا نزل عليها الماء تنشّطت وتحرّكت بنباتها واخضرارها ، وفي الحقيقة تحرّكت بحركة حياتها الطبيعيّة بعد موتها بعدم الخضرة والنّبات فيها (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) أي الذي هو قادر على إحياء الأرض بالنبات بعد إماتتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي هو قادر على إحياء البشر بعد الموت (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذه الجملة في موضع العلّة لإحيائه تعالى الأشياء بعد الإماتة ، أي لأنّه سبحانه قادر على جميع الأشياء ومنها الإحياء بعد الإماتة لأنّ قدرته تعالى متساوية بالنسبة إلى المقدورات كلّها لاشتراك في الممكنات كلّها وهي الإمكانيّة. ثم إنّه سبحانه بعد ذكر الآيات يهدّد الملاحدة والمشركين بقوله عزوجل :
٤٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) ... أي يميلون عن الدّين ويطعنون (فِي آياتِنا) ويحرّفونها ويؤوّلونها بالأباطيل وبآرائهم السخيفة (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) أي ميلهم عن الحق وتمايلهم إلى الباطل وما يفعلون بآياتنا. وهذا كلام فيه