كانت موجبة لعقابهم ونكالهم خلاف ما ظنّوا لأنفسهم لفساد ظنّهم وعقيدتهم (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي عذاب في غاية الكثرة بحيث كأنّما صار متراكما ومتراكبا بعض العذاب فوق بعض بكيفيّة لا يمكن التخلّص منها ولا التقصّي عنها ، وهذا تهديد مهيب. ثم إنّه سبحانه يخبر عن نوع آخر من طغيان الكفار وكفرهم بقوله :
٥١ ـ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) ... أي لمّا فتحنا أبواب نعمتنا من الصّحة والثروة على الكافر بتلك النّعمة (أَعْرَضَ) أدبر عن شكر النّعمة وانصرف بوجهه ولم يعتن بالشكر تكبّرا وتبخترا ونسي المنعم الحقيقيّ (وَنَأى بِجانِبِهِ) أي انحرف بجنبه كناية عن الإعراض بنفسه تأكيدا ومبالغة في الإضراب عن نعم الله تعالى وتجبّرا وأنفة (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي الفقر والفاقة والمرض والعاهة (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) لم لم يقل سبحانه دعاء طويل مع أنّ المناسب هو هذا؟ ذلك لأن العريض أبلغ حيث إن العرض يدل على الطول ولا عكس ، إذ قد يصحّ طويل ولا عرض له ولكن لا يصحّ العريض بلا طول له ، فإن العرض هو الانبساط في خلاف جهة الطول والطول هو الامتداد في أيّة جهة كان. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب الجبر والقائلين بأن الله سبحانه لا ينعم على الكافر فإنه تعالى أخبر في هذه الكريمة بأنه منعم على الكافر كما أنه ينعم على غيره من الخلق ، وأنه يعرض عن الشكر ويبعد عن المنعم. وتدل الشريفة على أن الكافر يسأل ربه بالتضرّع والدّعاء ليكشف ما به من الضّر والبلاء ويعرض عن الدّعاء في الرّخاء ، فالله تعالى يوبّخه على ذلك. والحاصل أن معنى الشريفة (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي دعاء كثير مستمرّ وقيل في وجه إيثار العريض على الطّويل لأن العريض امتداده في جهتين والطّويل في جهة واحدة فيدلّ على الأبلغيّة في كثرة الدّعاء واستمراره.
٥٢ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ... أي قل يا محمد لهؤلاء