لا يدل على نفي الحكم عمّا سوى المذكور. نعم سلّمنا أن الآية تدلّ بظاهرها على كونه رسولا إلى هذه الطوائف خاصّة ، لكن قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) يدلّ بالصّراحة على كونه مبعوثا ورسولا إلى جميع الخلق ، والظاهر لا يقاوم الصّراحة كما بيّن في محلّه. هذا مضافا إلى أنه لمّا ثبت كونه رسولا ولو إلى واحد (فكيف بثبوت كونه رسولا إلى طوائف) يثبت كونه صادقا لأنه لا بدّ من ملازمة بين الرّسالة والصدق. ولمّا ثبت بالتواتر أنه كان يدّعي الرسالة إلى العالمين فوجب تصديقه للملازمة المتقدّمة وهذه تثبت المدّعى قهرا.
٨ ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ... أي لو أراد الله لحملهم وقسرهم على دين واحد وهو الإسلام ، لكنّه لم يفعل لأنه مناف لأمر التكليف ويؤدّي إلى إبطاله ، لأن التّكليف إنّما يتحقق مع الاختيار. وقال القمّي : لو شاء أن يجعلهم كلّهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع ، لقدر عليه (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي بالهداية لقبولهم الإيمان والطاعة. أو المراد بالرّحمة هي الجنّة. والحاصل أنّ مشيئته وحكمته تقتضيان أن يكون الناس طرّا مكلّفين مختارين حتى يعلم المطيع والمنقاد ويمتاز عن العاصي المعاند ، فالمطيع يستحق الثواب والعقاب على التكليف مع الاختيار (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي أهل الكفر والضّلالة لا وليّ لهم حتى يعفيهم ويحفظهم من العذاب ، ولا ناصر لهم فيعينهم ويدفع عنهم الشّدائد من العقاب.
* * *
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى