١٨ ـ (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ... لمّا كان الرّسول يهدّدهم بمجيء يوم القيامة وأكثر القول في ذلك ، وأنّهم ما رأوا منه أثرا لذلك ، لذا قالوا سخرية : متى تقوم القيامة؟ فقال تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا) ، الآية أي استهزاء (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) أي خائفون ووجلون منها لعلمهم بأنه يوم جزاء الأعمال وباب التوبة مسدود في ذلك اليوم ولا ناصر ولا مغيث فيه إلّا العمل الصّالح والقلب السّليم (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أي الواقع الثابت بلا ريب (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي اعلموا أن المشركين الذين ينازعون ويجادلون في القيامة إنكارا لها لفي الضلالة البعيدة عن الصواب كمال البعد.
١٩ ـ (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) ... أي يعمّهم ببرّه بحيث إنهم لا يدركونه ، ولم يعاجل مسيئهم بالعقوبة لعلّه يتوب ويستغفره فيغفر له ، وهذا غاية اللطف منه عزوجل بعباده العاصين وغيرهم (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) على مقتضى حكمته الغامضة ومصلحته الخفية ، فيختصّ كلّ صنف وفرد بنوع من النّعم ، ويعطى الواحد الولد والآخر المال وهكذا طبق ما يرى الخالق فيه وحسب ما تقتضي المصلحة الذاتية التي خلق عليها ولا يعلمها إلّا الخالق والمدبّر الذي جعل نظام عوالم الكون على المصالح حتى لا يلزم اللّغويّة في خلقها وتدبيرها على هذا النسق الخاص والترتيب المنظّم ، فتبارك الله أحسن الخالقين والرازقين ليس أحد من المخلوقين إلّا وهو متنعّم على سفرة نعمه ومرزوق من خوان إحسانه (وَهُوَ الْقَوِيُ) أي صاحب القوّة الغالبة على الأقوياء في اللطف والرّحمة (الْعَزِيزُ) الغالب في الإرادة على وجه الحكمة والمصلحة بحيث لا يغلب أبدا.
٢٠ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ) ... أي الذي كان في الدنيا طالبا لثواب الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي نضاعف له الواحد بعشرة. ووجه الشّبه بالزّرع لأنّ الفائدة تحصل بعمل الدّنيا ، ويؤيّده قوله : الدّنيا