بدنيّة (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي بشؤم معاصيكم التي صدرت منكم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من تلك العاصي بإزاء هذه الآفات والبلايا الواردة على العاصي بأن يجعلها كفّارة لكثير من ذنوبه رحمة ولطفا منه تعالى على العباد ويؤخّر بعض الذنوب ليوم الحساب لأنها ذنوب لا يطهّر العبد منها إلّا بالنار بمصالح لا يعلمها إلّا الله عزوجل ، ولذا قيّد العفو (بكثير) ولم يطلقه. نعم لا يعاقب على ما عفا عنه ثانيا. وفي المجمع عن عليّ عليهالسلام أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي ، خير آية في كتاب الله هذه الآية ، ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلّا بذنب ، وما عفا الله عنه في الدّنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدّنيا فهو أعدل من أن يثنّي على عبده. وقال بعض أهل التحقيق : الآية مخصوصة بالمجرمين وإن خرجت مخرج العموم لأن الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين قد يصابون بمصائب شديدة مع أنه لا ذنب لهم ، وإن الأنبياء والأئمة يمتحنون بالمصائب وليس ذلك لأجل الذنوب بل لأسباب أخر منها التعريض للثواب العظيم والدّرجات العالية. أقول : هذا السبب ، أي التعريض ، بالنسبة إلى المكلّفين لا بأس به وأمّا بالنسبة إلى غيرهم كالأطفال والمجانين المصابين بأنواع المصائب فلا يقوم به هذا الجواب. نعم يمكن أن يقال إن مصائبهم لرفع درجات والديهم وأوليائهم من أجدادهم ومن يحذو حذوهم في غير الأحرار.
٣١ ـ (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) ... أي يا مشركي العرب لستم بقادرين أن تعجزوني ولو كان بعضكم لبعض ظهيرا ولا أن تسبقوني هربا في الأرض وفي هذا ترهيب لهم وتوعيد بإنجاز ما قضى به عليهم إن لم يؤمنوا بالتوحيد والرّسالة (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) أي لا يكون من يقدر أن يتولّى أمر حراستكم وحفظكم غير الله سبحانه (وَلا نَصِيرٍ) أي ولا معين يغيثكم في دفع الشدائد عنكم.
* * *