٦٣ و ٦٤ ـ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ...) أي توعدون بها على ألسنة الرّسل. فها هي أمامكم (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) احترقوا بها ، أو التزموا عذابها (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بسبب كفركم وتكذيبكم رسلنا وكتبنا ما دمتم في الدنيا. وهذا أمر إهانة وتنكيل كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.) وقيل معنى الكريمة : ادخلوها وقاسوا فنون عذابها وذوقوا شديد حرّها.
٦٥ ـ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ...) يحتمل قويّا أن لا يكون المراد من الختم هو المعنى المعروف المشهور بين الناس ، بل المراد به هو نتيجة الختم بأن يقيم هو تعالى البراهين والحجج عليهم. بحيث لا يقدرون على ردّها ويعجزون عن الجواب ويلجمون بالبراهين والشواهد. ومن أقوى الشواهد وأتمّ الدلائل والآيات على تقصيرهم واستحقاقهم أشدّ العذاب ، شهادة الأعضاء واعتراف الجوارح بالمعاصي التي صدرت عنها ، فحينئذ كأنه ختم على اللسان لأنه لا يقدر أن ينكر ويردّ واحدا من تلك الحجج أو الشواهد ؛ ويمكن أن يحدث في اللسان فتور من عنده سبحانه فلا يقدر الإنسان على تحريكه والتكلم به فكأنه ختم عليه ولذلك فسّر الختم بعضهم بمنع الألسن عن الكلام وإن كان منعها أعم من أن يحدث فيها فتور. ويحتمل أن يكون قوله سبحانه (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) ، الآية عطفا على (نَخْتِمُ) عطف بيان له. أي اليوم (يوم القيامة) تتكلم الأعضاء والجوارح معنا ، وبالأمس كان اللسان يتكلّم في الدنيا. وتكلّم الجوارح من خصائص يوم القيامة. واختلف في كيفيّة تكلم الجوارح على وجوه ، منها أنه تعالى يمكّنها حتى تقدر على التكلّم وأداء الشهادة كما مكّن اللّسان على النطق. ومنها أنه سبحانه يوجد فيها الكلام بنحو إيجاد الأصوات في الأجسام الجماديّة كإيجاد الكلام في الشجر والنّسبة إليها لأنه لا يظهر إلّا من جهتها. ومنها أنه تعالى يجعل فيها آثارا ودلائل دالّة على أنّ