(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))
٥١ ـ (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) ... أي ليس لأحد من البشر أن يكلّمه الله سبحانه على وجه أن يراه البشر كما يرون غيره حينما يكلّمهم ، وهذا محال عقلا ونقلا لأنه يلازمه التجسّم وهو محال حيث إن التجسّم والتركيب مباينان لمعنى الألوهيّة على ما برهن في محلّه ، فلا يمكن أن يحمل التكلّم على معناه الظاهري ولا بدّ من أن يكون المراد إمّا أن يوحى إليه وحي إلهام كما في قضية داود عليهالسلام الذي ألهم في صدره فزبر الزّبور ، فليس لأحد أن يكلّمه الله جلّت قدرته (إِلَّا وَحْياً) ووحيا منصوب بناء على أنه مفعول للفعل المقدّر وهو «يوحي» والوحي هو الكلام الخفيّ الذي يدرك بسرعة ، ومصاديقه إمّا بأن يلهم الإنسان ما هو المقصود ، أو بطريق المنام كما أوحى الله إلى أمّ موسى أي ألهمها بإلقاء ولدها في البحر ، وإبراهيم حينما رأى في المنام ذبح ولده ، وإمّا من وراء حجاب كما قال تعالى (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كتكليم موسى عليهالسلام الذي كان سماعا بدون رؤية والمقصود بالحجاب حجب السّامع لا المتكلّم ، فالله تعالى عن أن يحجب منه حجاب أو يستر ساتر ، وإمّا