دَرَجاتٍ) أي في الرزق ، فواحد مبسوط له الرزق يعيش مرفّه الحال ، وآخر مقبوض عليه رزقه وهو في ضنك من العيش ، وثالث بحريّته مشغوف ورابع في قيد العبوديّة راسف ، وهذا في كمال القوة ، وذاك في غاية الضعف ، والناس بين القبض والبسط والرفع والخفض ، وليس ذلك إلّا لمصلحة مهمّة يترتب عليها نظام العالم كما أشار إليه سبحانه بقوله (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) أي مسخّرا من التّسخير لا من السّخرية ، فيستخدمه في حوائجه فينتفع كلّ بالآخر فينتظم بذلك أمر عالم الملك. وهذه الدرجات المختلفة وما يترتب عليها ممّا ذكرنا من أعظم المصالح وأهمّها (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) لأن ما يجمع من أموال الدنيا وزخارفها يفنى وإن بلغ ما بلغ بخلاف نعمة النبوّة فإنها من حيث آثارها وتوابعها كلها باقية إلى الأبد والباقيات الصالحات خير من الفانيات المهلكات. ثم إنه تعالى يخبر عن هوان الدنيا وقلّة قدرها عنده سبحانه بقوله :
٣٣ إلى ٣٥ ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ... أي لو لا كراهة اجتماع الناس على الكفر لحبّهم الدنيا طبعا فيكونون كلهم كفارا على دين واحد ويحرصون عليها حرصا شديدا (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) أي كنّا نجعلهم قادرين ونوسّع عليهم بحيث يبنون سقف بيوتهم (وَمَعارِجَ عَلَيْها) أي مصاعدها وأدراجها من الفضّة كما يقول سبحانه (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) أي يصعدون (وَ) كذلك نجعل (لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) أي جعلناهم أثرياء قادرين بحيث يجعلون أبواب البيوت التخّوت التي عليها يجلسون والسّرر التي (يَتَّكِؤُنَ) عليها كلّها من فضّة وبالملازمة العاديّة. فيكون المراد أنّنا نمكّنهم أن يبنوا البيوت ولوازمها من الفضّة ، مشيرا سبحانه إلى تفاهة الزائل ، ومريدا أن يبيّن لنا حقارة الدنيا عنده عزوجل ، إذ لو كان للدنيا عنده قدر بمقدار جناح