٥٤ ـ (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) ... أي فوجدهم خفيفي العقل والرأي حيث أحسّ منهم القبول لما قال من المقدّمات الواهية لأنه احتج عليهم بما ليس بدليل كقوله (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) إلخ ولو كانوا عقلاء لردّوا عليه قوله ولرفضوا هذه التسويلات الفاسدة والتخيّلات الرّكيكة فدعاهم إلى أطاعته في جميع أوامره ونواهيه (فَأَطاعُوهُ) أي قبلوه وأجابوه بانقيادهم له (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي أن القبطيين كانوا جماعة خارجين عن دائرة عبوديّة ربّ العالمين حيث آثروا فرعون على موسى وفضّلوا الدّنيا الفانية على الآخرة الباقية وعتوا على نبيّ الله ولم يقبلوا دعوته وخرجوا عن طاعته إلى حربه ومعاركته.
٥٥ ـ (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) ... أي آسفوا رسلنا ، على حذف المضاف لأن الأسف بمعنى الحزن وهو لا يجوز عليه سبحانه. وقوله (انْتَقَمْنا) أي اقتصصنا منهم ثأرا لأوليائنا ، لأنّ الانتقام من العدوّ لتشفّي القلب. وهذا المعنى لا يتطرق ولا يتعقّل فيه عزوجل فلا بدّ أن نحمله على ما فسّرناه في الموردين بقرينة المقام. والمشهور من المفسرين فسّروا الإيساف بالإغضاب أي أغضبونا (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) في اليمّ. وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليهالسلام أنه قال في هذه الآية : إنّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضى نفسه وسخطهم سخط نفسه ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلّاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك. وللرواية تتمّة ونحن نقتصر منها على مقدار ما يؤيّد ما فسّرنا الشريفة به.
٥٦ ـ (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) ... أي قدوة لمن يوجد بعدهم من الكفرة والجحدة حتى لا يقتدوا بهم في الاستحقاق لمثل عقابهم (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) أي عبرة وعظة لهم ليعرفوا أن حالهم حال هؤلاء إذا أقاموا