كان لعقابه غاية حيث كان للعمل نهاية ، لأن الأعمار كان لها في الدنيا غاية وقصيرة مغيّاة بغايات محدودة فالأعمال على ميزان الأعمار بخلاف النيّات ، فإنّ المرء قد ينوي ما لا يدركه مثل الكافر فإنه ينوي أن يعصي الله تعالى عنادا وجحودا لو بقي في الدنيا مخلّدا ، فإنه وإن لم يدرك الخلود لكن الله سبحانه يؤاخذه طبق ما نواه ويعذّبه على ما أراد. فهذه شرّ له من عمله ، وهذا ما أجاب عليهالسلام عنه في السّؤال عن أن نيّة المؤمن خير من عمله ونيّة الكافر شرّ من عمله. ولمّا لم يتنبّه الكفرة بالأدلّة المذكورة إلى ما هو المقصود من ذكرها من وجود الصّانع تعالى وتوحيده ولا سلكوا طريق الحق ، عطف هو سبحانه زمام الكلام إلى أدلّة التوحيد فقال :
* * *
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦))
٧١ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ ...) أي ألم يعلموا علما يقينيّا متاخما للمعاينة أنّا لأجلهم خلقنا (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) أي باشرنا إحداثها بالذات من غير وليّ ولا معين. وذكر الأيدي من باب الاستعارة لإفادة