التفرّد والاختصاص في العمل. وإسناد العمل إليها للمبالغة في تفرّده وتوحّده سبحانه بالإحداث. وقال القمّي : أي بقوّتنا خلقنا الأنعام ، واختصّها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وعجائب الخلقة وكثرة المنفعة (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) يتصرّفون فيها وهم متملّكون لها قاهرون لها بتسخيرنا إيّاها لهم مع كمال ضعف الإنسان وغاية قوتها ... أقول : فإذا يعلم ويعرف كلّ من يتدبّر ويتعقّل أنه لا بدّ من قوة قاهرة فوق قوى الطبيعيّة تسخّر الأنعام وغيرها من ذوات القوى الغالبة على قوة الإنسان ، للإنسان الضعيف خلقة كما أشار إلى ما ذكرنا بقوله عزوجل :
٧٢ ـ (وَذَلَّلْناها لَهُمْ ...) أي صيّرناها منقادة ومسخّرة لهم غير نافرة ، فانظروا إلى الإبل وهي في تمام القوة وعظيم الجثّة. يسوقها صبيّ وكذلك الثور الذي يقاوم الأسد وربّما يغلبه فترى أن الإنسان الضعيف يخلّي على رقبته الضخمة الخشبة ويفلح عليه ويزرع الأرض وهو في كمال الانقياد والذّل ، فأيّ قوة تقدر أن تذلّله أو يسخّر غير من هو خالقه وفاطر السّماوات والأرض وما فيهما (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) أي هي الركوب ، وهذه منفعة مهمّة يمنّ بها الله تعالى على عباده على ما أشار في قوله سبحانه (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أي إلى بلدان بعيدة لم تكونوا واصلين إليها إلّا بجهد ومشقّة هما فوق طاقتكم (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أي هي معدّة للأكل كالأغنام فإن من منافعها المهمّة أكل لحمها وإن كانت لها منافع أخر على ما أشار إليه تعالى بقوله :
٧٣ ـ (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ ...) فمن منافعها لبس أوبارها وأصوافها وأشعارها والاكتساب بها وبجلودها ومنها شرب ألبانها وأكل لحومها والكسب بها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) ألا يشكرون المنعم على هذه النّعم الجزيلة؟ ثم بيّن سبحانه جهلهم وكمال حماقتهم ، يقول سبحانه :
٧٤ ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً ...) أي وضعوا الشّرك مكان الشّكر ،