بعد الأوّل بلا مشقّة كما يصير الميراث إلى أهله هكذا. فلمّا كانت نعمة فرعون وقومه وصلت إلى بني إسرائيل بعد إهلاكهم كان ذلك إيراثا من الله لهم.
٢٩ ـ (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ... هذه الجملة يمكن أن تكون في مقام بيان تصغير قدرهم ، فإن العرب جرت عادتهم بأن يخبروا عن عظم المصيبة بالهالك بأنه بكته السّماء والأرض ، أو تقول : أظلم لفقده الشمس والقمر ، وقال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز :
الشمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمر |
وقالت الخارجيّة :
أيا شجر الخابور ما لك مورقا |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف |
وذلك على سبيل الاستعارة التخييليّة مبالغة في وجوه الجزع والبكاء. وسئل ابن عباس عن هذه الآية وقيل هل يبكيان على أحد؟ قال : نعم ، مصلّى المؤمن في الأرض ، ومصعد عمله في السّماء. وروى زرارة بن أعين عن الصّادق عليهالسلام أنه قال : بكت السّماء على يحيى بن زكريّا وعلى الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام أربعين صباحا ، ولم تبك إلّا عليهما. قلت وما بكاؤها؟ قال : كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء. وفي رواية أخرى عنه عليهالسلام : بكت السّماء على الحسين بن عليّ عليهماالسلام أربعين يوما بالدّم. وبالجملة فالمراد من قوله (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ) التهكّم واستصغار القدر. والوجه الثاني في الشريفة أن يقال إن المراد : لم يبك عليهم أهل السماء والأرض لكونهم مسخوطا عليهم بحذف المضاف كقوله تعالى (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) وقيل وجوه أخر نحن بصدد بيانها (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي ممهلين إلى وقت آخر.
* * *