وجه الأرض (مِنْ دابَّةٍ) من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها مع ما فيها من المنافع والخواصّ والمقاصد المطلوبة منها (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي في جميع ما ذكر دلالات واضحات لقوم يطلبون علم اليقين بالتفكّر والتدبّر فيها.
٥ ـ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ... أي في ذهاب اللّيل والنّهار وتعاقبهما ، ومجيئهما ونقصهما وزيادتهما على وتيرة واحدة. أو المراد باختلافهما في أنّ أحدهما نور والآخر ظلمة (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) لعل المراد بالرزق سببه وهو الغيث ، من باب ذكر المسبب وإرادة السبب مبالغة للملازمة والترتّب بينهما (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يبسها. وتفريع هذه الجملة على ما قبلها من قوله (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ) يدل على ما قلناه (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) أي على اختلاف كيفياتها من تصريفها من جهة دون جهة وكونها في وقت حارة وفي زمان باردة ، ومنها ما يثير السّحاب ومنها ما يلقّح بعض الأشجار ، ومنها نافع للأبدان ومنها ما هو ضارّ لها بل وللنّباتات وللأثمار. والحاصل أنّ في جميع هذه الأمور واختلاف أحوالها وكيفيّاتها (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ولعلّ اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدّقة والظّهور حيث إن الآيات الثلاث وإن كانت جميعها دقيقة إلّا أنّ الطائفة الأولى أسهل تناولا في مرحلة أخذ النتيجة من الأخيرتين ، والطائفة الثانية أدقّ منها نظرا. فان النظر في خلق الأنفس والتفكّر فيها وأخذ النتيجة مشكل قال مولانا أمير المؤمنين :
أتزعم أنّك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر |
وقال عليهالسلام : من عرف نفسه فقد عرف ربّه. وكذلك التدبّر في الدوابّ على اختلاف أنواعها وأصنافها وآثارها وخواصّها برّيّها وبحريّها وما يعيش تحت الأرض وفوقها إلى آخر ما يتصوّر منها ويتعقّل ، والتفكّر فيها لا