يحصل لكلّ من المؤمنين بل لقوم يطلبون مقام علم اليقين ، وأمّا الطائفة الثالثة من الآيات فهي أدق من الأولين حيث إن النظر والتدبّر في اختلاف اللّيل والنّهار وإنزال الأمطار المختلفة الآثار مع كيفيّاتها المختلفة مع السّحاب المختلف الكمّ والكيف ، وحملها إيّاها وسوقها من بلد إلى بلد مع ما فيها من الرّعد والصّواعق والبروق التي تلمع في السماء على أثر انفجار كهربائيّ في السحاب وتصريف الرّياح المسخّر بين السّماء والأرض من مهابّها المختلفة ، وكلّ هذه الآيات أمور يتحيّر فيها فكر المتفكّرين ، وخارجة عن صقع أفكار المفكّرين نوعا ، إلّا عن أولي البصائر والألباب الّذين أنعم الله عليهم بالعقول الكاملة والدّرجات العالية في البصيرة ، فبنور عقولهم ينظرون في ملكوت عجائب الصّنع وغرائب الخلقة فيرون الصّانع بعيون قلوبهم المسلّحة بمناظر الآيات ، ويصدّقون توحيده بما شرح الله صدورهم ، إذ ما خلق الله خلقا أعظم شأنا من العقل وأعزّ منه ، وأوّل ما خلق هو العقل ، وما بعث نبيّ إلا بعد كمال عقله ، وما آمن مؤمن إلّا بدليل عقله ، فالإيمان لا يحصل إلّا به. والحاصل أن تخصيص الطائفة الأخيرة بالعقلاء لأنهم أهل لتدبرها والتفكّر فيها بما بيّناه إجمالا بعونه سبحانه حيث إنّها أدقّ من الأوليين.
٦ ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ) ... أي هذه الآيات المذكورة دلائل لمعرفة الله وتوحيده (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) أي نبيّنها لك حتى تقرأها على قومك مقرونة بالحقّ دون الباطل (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) يعني بأيّ كلام بعد كلام الله ، وهو القرآن وآياته الدالّة عليه وعلى توحيده ، تؤمنون : أي تصدّقون. وعلى هذا البيان تفسير الآية مبتن على حذف مضاف والفرق بين (الحديث) وهو القرآن و «الآيات» أن الحديث قصص يستخرج منها عبر مبيّنة للحق من الباطل و (الآيات) أدلّة فاصلة بين الصّحيح والباطل سواء كانت من جنس الكلام أم لا كالآيات