أنّنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وهذا بنظرهم أصعب من إعادتهم.
٧٩ ـ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ...) نبّه بأن الذي أنشأها وأوجدها من العدم إلى عالم الوجود فإنّ قدرته باقية كما كانت في بداية الأمر (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) أي عالم وقادر على خلق الأشياء بتفاصيلها وكيفيّة إيجادها أوّلا وآخرا. وعن الصّادق عليهالسلام أن الرّوح مقيمة في مكانها روح المؤمن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق. وما تقذف به السّباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ، وإنّ تراب الرّوحانيين بمنزلة الذّهب في التّراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسّل بالماء والزبد واللّبن إذا مخض ، ثم يتجمّع تراب كلّ قالب إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الرّوح فتعود الصّور بإذن المصوّر كهيئتها ، والحاصل أنه تعالى علمه فوق كل ذي علم يعلم تفاصيل خلق كل مخلوق وأجزاءه المتفرقة في البقاع وفي أجواف السباع وغيرها فتجتمع الأجزاء الأصلية للآكل والمأكول قبل أن يرتدّ إليك طرفك بل في أسرع من ذلك. وتلج الرّوح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا. ثم إنه سبحانه لمّا كان في بيان قدرته الكاملة للجهلة فمزيدا لذلك يخبر عن صنعة عجيبة غريبة تتحيّر عقول ذوي الألباب منها وهي أمر حسّي مشاهد غير محتاج إلى نظر وتدبّر ولا يمكن لذوي الشعور إنكاره فيقول سبحانه :
٨٠ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ...) أي الذي يقدر على إعادة الأجسام على صورها وهيآتها هو القادر على أمر أعجب منها إذ يخرج من الشجر الأخضر الذي إذا قطع منه غصن يقطر منه الماء جعل منه