المقصود منه التقدّم في الرّئاسة. ولأجل هذا المقصود بغوا وعاندوا وأظهروا النفاق ، فقال سبحانه وتعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) اي في خلافاتهم فيجازيهم ويؤاخذهم عليها بما يستحقون بها.
١٨ ـ (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) ... أي على منهج وعلى طريقة مستقيمة إلى دين الإسلام أو التوحيد و (مِنَ) بيانيّة. والمراد (بالأمر) يحتمل أن يكون ما ذكرناه من الإسلام والتوحيد ويحتمل أن يكون (الألف واللام) في (الْأَمْرِ) للعهد الذكري ، أي للإشارة إلى الأمر في الآية السّابقة على هذه الآية. وقد قلنا آنفا إن المراد به هو أمر النبيّ الخاتم (ص) من بدء ولادته ونبوّته وبعثته وهجرته إلى يثرب ونصرة أهلها له ، وكلّها مذكورة في التوراة والإنجيل وكان اليهود والنّصارى معتقدين به صلوات الله عليه وآله ، لكنّهم بعد ظهور بعثته وهجرته ونصرة أهل المدينة له (ص) عرفوه بعينه وعيانه وعلموا به ، فاختلفوا فيه. والحاصل أنّنا جعلناك نبيّا وبعثناك إلى العالمين بشريعة سمحة سهلة. ولكن الاحتمالين الأوّلين أقرب إلى الذّهن وإلى الواقع وأظهر في النظر والله أعلم بما أراد (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي اجعل قدوتك وطريقتك ما شرعناه لك من دين الإسلام واعمل به لأنه أقوى الأديان وأتقنها من حيث قوانينها أصولا وفروعا ولذا ادّخرناه لك وجعلناه دينا أبديّا لمرور الدّهور وإلى يوم ينفخ في الصّور ، وجعلناك خاتم النبيّين لعدم احتياج البشر إلى دين حتى نبعث نبيّا آخر إليهم ولا تذهب مذهب من اتّبع هواه وجعل إلهه ما لا يسمنه ولا يغنيه من شيء كعبدة الأصنام ، ولا تتّبع آراء الجهلة وهم رؤساء قريش فإنّهم لا يزالون تابعين لشهواتهم الفاسدة ولاهوائهم الباطلة. أو المراد بالذين نهى الله نبيّه عن متابعتهم هم اليهود حيث غيّروا التوراة اتّباعا لهواهم وحبّا للرّئاسة واستتباعا لعوامّ الناس.